ناصر عراق يكتب لـ”سينماتوغراف”
بركات.. زعيم المحافظين!
ما الذي يجعل ناقدًا كبيرًا يتصدى لإصدار كتاب عن المخرج المصري المتفرد هنري بركات؟ وما الذي دفع الناقد السينمائي الكبير سمير فريد رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي/ الدورة 36 المقام حاليا في دار الأوبرا.. أقول ما الذي دفعه لأن يتولى المهرجان الإنفاق على كتاب عن بركات؟
لا تفسير سوى أن الرجل يستحق، وأن تاريخ السينما المصرية لا يمكن أن ينضبط دون أن يحتل بركات المكانة اللائقة به بوصفه مخرجًا رائدًا. كما أن المكتبة العربية بالغة الفقر في الكتب التي تتناول حياة المبدعين السينمائيين وما أكثرهم.
(بركات.. زعيم المحافظين في السينما المصرية) هو عنوان الكتاب الذي صدر قبل أيام قليلة عن سلسلة مطبوعات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي/ الدورة 36 التي يترأس تحريرها الناقد السينمائي القدير كمال رمزي.
لأن مؤلف الكتاب الناقد الفني مجدي الطيب واحد من عشاق السينما، فقد بذل جهدًا كبيرًا مخلصًا ليستعيد لنا سيرة بركات.. الذاتية والسينمائية، فعرفنا أن الرجل من أصول شامية، إذ هجر جدّه الجواهرجي من دمشق هربًا من اضطهاد السلطات العثمانية للمسيحيين، وقد عاش الجد في القاهرة، حتى درس ابنه انطوان بركات – والد مخرجنا الكبير – في كلية الطب، وحقق نبوغا مشهودًا جعل القصر يمنحه لقب البكوية.
في حي شبرا ولد هنري بركات، وقد أسرف كل من كتب عنه في الثناء على هدوئه ورقته، هذا الهدوء وهذه الرقة قد تجلتا في أفلامه بشكل جميل، فتذكر معي (شاطئ الغرام/ دعاء الكروان/ في بيتنا رجل/ الحرام/ الخيط الرفيع وغيرها)، وكما يقول مجدي الطيب – الذي أجرى معه حوارًا في بيته عام 1996 – في مقدمة الكتاب: (زعيم المحافظين.. هو اللقب الذي اخترته للمخرج الكبير بركات بعد أن تولدت لدي قناعة أن البيئة المحافظة التي نشأ فيها تركت تأثيرها الواضح على شخصيته وأفلامه، وكانت سببًا في اتجاهه الكلاسيكي، ووافقني – يقصد بركات – على ما قلت مضيفا أنه انتمى إلى عائلة شديدة الالتزام بالتقاليد، وأنه كان ينحني ليقبل يد والده).
هذه البيئة المحافظة جعلته – فيما أظن – لا يلجأ إلى تصوير مشاهد غرامية ساخنة، ولا حتى قبلة عميقة بين البطل والبطلة ينتهي بها الفيلم كما يحدث غالبًا في معظم الأفلام المصرية، ولعلك تذكر نهايات أفلام (أمير الانتقام/ شاطئ الغرام 1950/ لحن الخلود 1952) وكلها تنتهي والبطل يقف خلف البطلة ليحتضنها برفق وينظران بأمل إلى الأفق البعيد!
اللافت في هذا الكتاب الجميل أنه يتضمن شهادت نقاد وأدباء كتبوها عن أفلام بركات في زمن عرضها على الشاشة، وكلها تكشف الأثر الطيب التي تركته تلك الأفلام في نفوس من شاهدها.
بشكل عام.. الكتاب مدهش وممتع ومفيد، وإن كان عندي ملاحظتان أرجو أن تتسع لهما صدور القائمين على هذه السلسلة.. الأولى.. تتمثل في حجم الأخطاء المطبعية واضطراب علامات الترقيم والتنصيص، والثانية في قلة عدد الصور المرفقة في آخر الكتاب.
على أية حال.. يبقى بركات مخرجًا متفردًا، ويبقى الكتاب آسرًا ونادرًا ومهمًا.
شكرًا للأساتذة سمير فريد وكمال رمزي ومجدي الطيب.