برلين ـ خاص «سينماتوغراف»
بعد دورتين متوسطتين، فنّياً وإقبالاً سينمائياً وتغطية صحافية وحضوراً جماهيرياً، يأمل منظّمو «مهرجان برلين السينمائي الدولي (برليناله) » أن تُعيد دورته الجديدة إليه بريقه السابق، وشكله الطبيعي المُعتاد قبل انتشار كورونا، بتأثيراته البالغة على تلك الدورتين. فدورة عام 2021، نُظِّمت افتراضياً على شبكة الإنترنت، ثمّ قُدِّمت لاحقاً عروضٌ لأفلامٍ منها في أماكن مفتوحة، في فصل الصيف، لجمهور العاصمة الألمانية. دورة العام الماضي اتّسمت بأفلامٍ ضعيفة، غالباً، وحضور محدود على مختلف المستويات، مع طغيان المحاذير الصحية، والإجراءات الاحترازية والوقائية الزائدة، والفحوصات الطبية الدورية للسماح بدخول الصالات.
هذا العام، ستعمل صالات المهرجان بكامل طاقتها، للمرة الأولى بعد الوباء، من دون الاقتصار على نصف المقاعد، فقط، في كلّ واحدة منها.
تُفتتح الدورة الـ73 (16 ـ 26 فبراير 2023)، الخالية من بريق النجوم والنجمات العالميين، بالفيلم الأميركي «جاءت إليّ»، للمخرجة وكاتبة السيناريو ريبيكا ميلر، الذي يُعرض خارج المسابقة الرئيسية، في عرض عالمي أول، في قسم «عروض خاصة». كوميديا رومانسية، تدور أحداثها في نيويورك، مع آن هاثاواي وبيتر دينكلَدج وماريسا تومي وجوانا كوليغ، وآخرين.
في المُسابقة الرئيسية، هناك 18 فيلماً، 15 منها تُعرض لأول مرة عالمياً، مُقارنة بـ17 عرضاً عالمياً أول في الدورة الماضية. الأفلام المُتنافسة تمثّل إنتاجات 19 دولة، معظمها أوروبي، 6 منها لمخرجات، مُقارنة بـ7 في العام الماضي. يعود هذا العام 11 مخرجاً شاركوا سابقاً، 8 منهم في المسابقة الرئيسية، كالفرنسي فيليب غاريل مع “المحراث (أو “العربة الكبيرة)”، والألمانية مارغريتا فون تروتا و”إنِبور باخمان: رحلة إلى الصحراء”، والأسترالي رولف دي هير، وجديده “نجاة الشفقة”، المنجز بعد 9 أعوام على توقّفه عن الإخراج.
الكندي جون ترينغوف يُشارك للمرة الأولى في المسابقة، بعد مشاركة سابقة في “بانوراما”، مع فيلمٍ أميركي، قلباً وقالباً: “مانودروم”. أما الفرنسي نيكولا فيليبير، أحد روّاد السينما الوثائقية، فيُشارك بجديده “عن أدامان”، وهذا للمرة الأولى في الـ”برليناله”. في المسابقة نفسها، 3 أفلام أولى لمُخرجيها، أبرزها “ولد الديسكو”، للإيطالي المقيم في فرنسا جياكومو أبروزيسي، بالإضافة إلى فيلمي رسوم متحرّكة، على غير العادة، من الصين واليابان.
في “لقاءات”، هناك 16 فيلماً من 21 دولة، تعرض كلّها للمرة الأولى عالمياً، 3 منها أولى لمخرجيها، و6 لمخرجات، بينهم الكوري الجنوبي هونغ سانغ سو مع “في المياه”. ولأنّ الدورة الجديدة هذه تُقام عشية الذكرى الأولى لاندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تعرض الـ”برليناله” أفلاماً مُتعلّقة بالحرب، في مختلف الأقسام، بينها الوثائقي “قوة عُظمى” لشون بن وآرون كوفمان، و”الجبهة الشرقية” لفيتالي مانسكي ويفين تيتارينكو.
احتفالاً بالعودة الكبيرة لأحد أكثر الأحداث الشتوية الفنية المُحبّبة في برلين، أعلن المهرجان عن توسيع شبكة صالات العرض الخاصة به في أنحاء المدينة، مضيفاً صالات جديدة، إلى “قصر المهرجان”، ومجمّعي “آي ماكس” و”كوبكس”. أُدرجت هذا العام “قاعة فيرتي الموسيقية” (2000 مقعد)، الواقعة في منطقة “فريدريشاين”، في قلب برلين. تستضيف القاعة إعادات أفلام المسابقة الرئيسية، فضلاً عن العروض الأولى لـ”العروض الخاصة”. كما ستكون سينما “أورانيا” المكان الرئيسي لعروض قسم “أجيال”، بعد تعذر العرض في المكان المُعتاد، “بيت الثقافة العالمية”، بسبب أعمال البناء والإصلاحات والترميم، الجارية حالياً.
يُذكر أن مُجَمَّع “سينماكس”، الحيوي للغاية في العروض الرئيسية لـ”لبرليناله”، يخضع لترميم، وإعادة تقسيم على نطاق واسع. التصميم الجديد استلزم خفضاً في سعة المقاعد بنسبة 50 بالمائة، تقريباً، للمسارح الفردية؛ لذا ستستضيف الصالات عروض السوق، من دون العروض الصحافية. نتيجة لذلك، ستنتقل العروض العامة، المُحبّبة لرواد المهرجان، وغيرها الخاصة بالصحافيين والنقاد، إلى صالات أخرى، كـ”حديقة الحيوانات”، ومجمّع “كوبكس” في ساحة ألكسندر، وغيرهما. هذا سيخلق ارتباكاً وإزعاجاً، ناجمين عن حركة التنقلات خارج مُحيط فعاليات المهرجان، لمواكبة العروض في أماكن أخرى، بعيدة عن ساحة بوتسدام، على غير العادة.
في تقليدٍ يرجع إلى أكثر من عقدٍ، تقريباً، اختار المهرجان 7 صالات برلينية فنية قديمة، لعرض أفلام مُختارة من الأقسام كافة، في “برليناله يذهب إلى الضواحي”، أو “برلين في الضواحي”، بهدف الاحتفاء بالصالات المحلية الفنية العريقة في المدينة (سينمات “آرت هوس”)، وتشجيعها والقائمين عليها، وتذكير جمهور الأحياء البرلينية بها، وتعريفه بها، ولقاء الجمهور العادي، في الأحياء، بصُنّاع السينما من ضيوف المهرجان.
في الأعوام الأخيرة، كان الحضور العربي في مُختلف الأقسام لافتاً للانتباه. لكنّ دورة العام الماضي لم تشهد أي حضور لأفلام عربية. هذا العام، الحضور العربي يكاد لا يُذكر، ما يثير علامات استفهامٍ كثيرة حول الإنتاج السينمائي العربي، عامة.
في “بانوراما”، الذي يلي المسابقة الرئيسية أهمية، يُعرض “المُرهقون”، لليمني عمرو جمال (1983)، بين 14 فيلماً روائياً طويلاً. تدور أحداثه حول عائلة يمنية تكابد معيشة قاسية، وأم تحاول وضع حملها، على خلفية الحرب في اليمن. فاز “المُرهقون” بالجائزة الكبرى في سوق “مهرجان كارلوفي فاري” للأفلام قيد الإنتاج. إنّه الروائي الثاني الطويل للمخرج، بعد “10 أيام قبل الزفة”، الذي رشَّحته اليمن لتمثيلها في “أوسكار أفضل فيلم أجنبي” عام 2020.
في “البانوراما الوثائقية”، يُعرض “تحت سماء دمشق” لهبة خالد وطلال ديركي وعلي وجيه، في عرضٍ عالمي أول: يتناول تعرّض النساء السوريات للعنف، والاستغلال الجنسي، والخوف من الانتقام، بمتابعته شابات يحاولن كسر المحرّمات، عبر مشروع مسرحي.
في “المنتدى الموسّع”، يعرض الفيلم المصري القصير، “سيميا: ستراتاجيم لعدم التحديد” لعاصم هنداوي، في عرض أول في أوروبا: برنامج ذكاء اصطناعي وهمي، يهدف إلى إنشاء اقتصاد مخطّط، وإدارة مشاريع البنية التحتية في أفريقيا والشرق الأوسط. في “معرض المنتدى الموسّع”، الذي يجمع السينما بأشكال الفنون المختلفة، يعرض المصري تامر السعيد جديده، “استعارة ألبوم العائلة”، الذي يستعرض مقاطع تسجيلية ولقطات خاصة لعائلة، تسعى إلى استعادة ذكرى قريب مفقود. يدعو العمل التركيبي الزائرين إلى البحث عن ذكرياتهم الخاصة والجماعية. في القسم نفسه، يعرض اللبناني وليد رعد “الرفيق القائد، الرفيق القائد، كم أحب أن أراك”: مقاطع فيديو لشلالات، مستوحاة من قصة “شلالات فيكل” في لبنان.
إضافة إلى المعرض الفني “على هذا الشاطئ، هنا”، لجاسمينا متولي وعلاء عبد اللطيف، يُعرض الوثائقي الكندي “وادي الخرسانة” لأنطوان بورجيس، في “المنتدى”: حياة أسرة سورية، هاجرت إلى كندا بعد الحرب.
تُكرّم الإدارة الفنية لـ”البريناله”، في دورتها الجديدة، المخرج الأميركي ستيفن سبيلبيرغ (1946)، وتمنحه “الدب الذهبي الفخري”، في 21 فبراير الجاري. في هذه المناسبة، تُعرض أفلامٌ له، كـ”إي تي” (1982)، و”لائحة شندلر” (1993)، و”ميونخ” (2005)، و”جسر الجواسيس” (2015). يلي التكريم عرض آخر أفلامه، “آل فايبلمان” (2022).
إلى ذلك، تقرّر أنْ يكون عنوان “القسم الاستعادي” للدورة، “المُراهقة في السينما”، فدُعِي سينمائيون من العالم إلى اختيار أفلامهم المُفضلة، شرط أنْ يتناول الفيلم مرحلتي المُراهقة والنضج. أفلام ساهمت في تكوين الفنان، وتطوير أعماله ونظرته إلى الحياة والسينما: بيدرو ألمودوفار، ووس أندرسون، وجولييت بينوش، ونادين لبكي، ومارتن سكورسيزي، ولاف دياز، ولوكا جوادانينو، وإيثان هوك، وآخرون.
أخيراً، وكعادته منذ عام 2006، في إطار “السوق الأوروبية للفيلم”، بالتعاون مع “معرض فرانكفورت الدولي للكتاب”، يُقدِّم المهرجان “كتب في البرليناله”. فعالية مُكرّسة لترويج الكتب اللافتة للانتباه على مدار العام، اختارها المهرجان، لعلّ شركات الإنتاج تحوّلها إلى أفلامٍ، روائية طويلة أو ذات أجزاء. هذه الدورة، هناك 11 كتاباً اختيرت من 190، من 30 دولة. الكتب مختارة من بريطانيا وألمانيا وإسبانيا وسلوفينيا والنمسا وفرنسا وهولندا والنرويج والمكسيك.