بروفايل | صلاح منصور أشهر عمدة عرفته السينما المصرية

القاهرة ـ «سينماتوغراف»

اشتهر عدد من زملاء دفعته، لكن صلاح منصور، زميل هؤلاء النجوم، ظل مجهولًا يقدم أدوارًا ثانوية لا تبرز موهبته الحقيقية، رغم أنه سبقهم وهو لا يزال طالبًا لتقديم دور صغير في فيلم “غرام وانتقام” عام 1944.

طال كثيرًا انتظار توهج الموهبة في دور مناسب، حتى إنه قبل القيام بدور كومبارس وراء نجوم كبار مدة من الزمن، وحتى هذه الأدوار لفتت إليه الأنظار، خاصة وهو يؤدي دور مجنون وراء نجم الكوميديا الراحل إسماعيل ياسين في مشهد أغنيته الشهيرة في مستشفى المجانين، ثم قام بأدوار ثانوية قبل أن تلوح أول فرصة تضعه على أول درجات الانطلاق الكبير.

يشارك زميل دفعته فريد شوقي في دور صغير، لكنه مهم، في فيلم “بداية ونهاية”، دور بقال يغرّر ببطلة الفيلم النجمة الراحلة سناء جميل، يبدع منصور في الدور، ويلفت إليه الأنظار بقوة، لكنه يظل بعده يشارك في أدوار ثانوية صغيرة، حتى تأتي المحطة الأهم في مسيرته الفنية، التي جعلته فنانًا مختلفًا عن أبناء جيله.

يشارك زميل دفعته الآخر، الذي صار نجمًا لامعًا في أفلام الستينيات، شكري سرحان، في واحد من أهم أفلامه، الزوجة الثانية.

ورغم ما يبدو عليه اسم الفيلم من نزعة اجتماعية، إلا أنه كان سياسياً بامتياز، وذهب نقاد إلى أنه إشارة إلى أزمة نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حيث نظام العمدة المستبد العقيم، الذي لا بد أن يحظى بهزيمة مخزية في النهاية، كما حدث لنظام عبد الناصر بهزيمة يونيو عام 1967.

وكما حدث للعمدة المستبد، حيث انتصرت عليه امرأة عادية من الشعب، ظلت تحفظ شرعية العلاقة مع الرجل صاحب الشرعية الحقيقية، الزوج الأصلي، فلا قيمة للورق الرسمي هنا مهما تواطأ عليه رجل الشرطة ورجل الدين والخفر وشهود الزور، لكي يجعلوه سندًا لاغتصاب السلطة -سلطة الزوج على الزوجة- لمصلحة من يملك النفوذ والمال وهو العمدة عتمان أو “صلاح منصور“.

دور أدّاه منصور بمستوى عدّه بعض النقاد متعبًا لمن سيؤديه من بعده، بهذا المزيج المذهل من الشر المضحك إلى حد الهزل، لكنه يظل شرًّا مؤذيًا ومدمرًا استنادًا إلى سلطة قاهرة.

ورأى نقاد ومتابعون أن تفجر قدرات صلاح منصور الهائلة كان محتاجًا فقط إلى مخرج من نموذج رائد الواقعية السينمائية صلاح أبو سيف، الذي استعان بالفنان الراحل في فيلمين من أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية في القرن الـ20: “بداية ونهاية” و”الزوجة الثانية“.

وكما فجّر أبو سيف مكامن التوهج في “منصور”، نجح في إبراز قدرات أخرى له في فيلم “القضية 68″، في دور رجل طيب يسعى للإصلاح والخير؛ منطقة أخرى في أدائه المميز لم يُستعن بمنصور لتجسيدها لاحقًا، وظل المخرجون مقتنعين به شريرًا مستغلًّا، كما أقنع الجميع بذلك في فيلميه السابقين.

يعود صلاح منصور لأداء أدوار جديدة، لا تبرز فيها موهبته المتفجرة، حتى في أفلام مهمة مثل (قنديل أم هاشم، وأنف وثلاثة عيون)، كما يقدم عددًا من المسلسلات والمسرحيات. يظل المخرجون يحصرونه في أدوار الشرير، وهو ما دعا رفيق دراسته وأهم أفلامه شكري سرحان للدهشة وهو يتحدث عن مدى خفة ظل منصور وطرافة أسلوبه في حياته العادية بشكل يدعو للضحك، متسائلاً باستنكار في أحد اللقاءات التلفزيونية عن سبب عدم الاستعانة به في الأدوار الكوميدية.

هنالك جوانب أخرى في شخصيته توارت وراء شخصية عمدة الشر في السينما المصرية، فقد تقلّب الراحل بين مجموعة أعمال، فعمل صحفياً في البداية مدة وجيزة في مجلة روز اليوسف، كما كوّن فرقة “المسرح الحر” التي قدمت مسرحيات عدة لم تحظ بالشهرة المناسبة، فضلا عن مجموعة أعمال أخرجها للتلفزيون والإذاعة.

وبالتوازي مع كل ذلك، ظل محتفظًا بمنصبه الحكومي، منفذاً وصية الأمثال الشعبية التي تشدد على الالتحاق بتراب العمل “الميري” الحكومي ضمانا للأمان المادي، فظل حتى وفاته في وزارة التربية والتعليم، مستشاراً في إدارة التربية المسرحية بالوزارة.

نال الراحل جوائز عدة أكدت مكانته المتميزة في التمثيل، اختتمها بالحصول على جائزة الدولة التقديرية من أكاديمية الفنون في أكتوبر من 1978، في الاحتفال بعيد الفن.

تأتي هذه الجائزة عقب رحيل ابنه الثاني، وبعد سنوات طويلة ناضل فيها الفنان في سبيل إنقاذ الابن من المرض، أنفق كل مدخراته على العلاج، ونفدت مخصصات العلاج على نفقة الدولة، وكان قد وصل في رحلة العلاج الطويلة إلى لندن، ووافق وجود الرئيس الراحل أنور السادات هناك في ذلك الوقت، فالتقاه صلاح منصور وناشده استمرار علاج ابنه على نفقة الدولة، فقبل السادات ووقّع أمامه على الطلب، إكراماً له، فهو والد شهيد حرب أكتوبر عام 1973، الذي تبرع بمعاش ابنه لمصلحة القوات المسلحة.

وموت الابن الثاني فاجعة جديدة في الأسرة، أسلمت الفنان لرحلة من المتاعب الجسمانية؛ كان وقع فراق الابن مختلفًا هذه المرة، بخلاف ما حدث عند استشهاد ابنه الأول، الذي ابتهج عند توديعه حتى إنه وزّع الحلوى على الجيران والمارّة، مرددًا “ابني بطل.. ابني بطل“.

يدفن الفنان ابنيه اللذين كان يدّخرهما لكي يودّعاه في نهايته، ثم يبدأ رحلة النهاية، فيسقط مريضاً.

التهمت الفواجع حصيلة عمله الحكومي وأعماله الفنية، لم يترك ثروة لأسرته، فاضطرت أرملته إلى طلب معاش استثنائي من الدولة، تمت الموافقة عليه، تقديراً للراحل.

Exit mobile version