«بروكلين».. الهروب إلي الحب، هروباً إلي الوطن

«سينماتوغراف» ـ حامد المسلمي

يتفق غالبية صناع السينما أن «الإغراق في المحلية هو الطريق إلي العالمية»، وهذا أسلوب العبقري يوسف شاهين في أعماله الراسخة في ذاكرة السينما المصرية والعالمية، وهذا كان المدخل الرئيسي لفيلم «بروكلين Brooklyn» للمخرج الإيرلندي John Crowley المأخوذ عن رواية تحمل الأسم ذاته (للروائي الإيرلندي Colm Tóibín، وحولها للسينما السيناريست الإنجليزي Nick Hornby)، ورُشح الفيلم لثلاث جوائز أوسكار (أحسن فيلم وأحسن سيناريو مقتبس عن عمل أدبي، وأحسن ممثلة دور رئيسي).

دراما رومانسية في خمسينيات القرن الماضي، حول إليش «Saoirse Ronan» فتاة إيرلندية تهاجر إلي بروكلين بولاية نيويورك، حنينها لأهلها ووطنها يجعلها تُعاني، لكن وقوعها في حب الإيطالي طوني «Emory Cohen» يهون عليها، ولوفاة أختها تعود لأيرلندا، فتتنازعها الرغبة بين البقاء في الوطن والعودة إلي بروكلين.

الحب والوطن

ماذا يفعل الحب بالإنسان؟

سؤال طرحه العمل حول مفهوم الوطن، وماذا يفعل الحب بالإنسان؟، فقالت إليش لأختها روز في الخطابات «جسدها في نيويورك بينما روحها معهم في أيرلندا» وما قاله الأب فلود لإليش «الإشتياق للوطن مثل كل أنواع الإشتياقات، ستشعرين بشعور سيئ، ثم ستشتاقين لشئ آخر» وبعدما أحبت طوني قالت «أنها سعيدة، الآن روحها معلقة بالمحيط بين أيرلندا ونيويورك».

الوطن هو المكان الذي يعيش فيه الأحبة ونشعر معهم بالأمان، بعدما أحبت طوني، أصبح الوطن معلق بالمكان الذي يوجد به الحب، فهنا يطرح الفيلم رؤية جديدة للحب، أن الحب هو الوطن الحقيقي للإنسان.

 بعدما ماتت روز قالت لطوني «أنا خائفه إن لم يعد لي وطن»، فأخذها طوني ليُريها الأرض الذي سيبني عليها بيتهما المستقبلي، وهذا يفسر كلام الأب فلود عندما سألته إليش «لماذا لم يعود العجائز الإيرلنديين إلي الوطن؟»، فكان رده «يعودوا لمن؟، فهم يعيشون هنا منذ 50 عام»، أو كما قال عمر طاهر «وطن المرء ليس مكان وﻻدته، لكنه المكان الذي تنتهي إليه كل محاوﻻته للهروب».

لوحة غير مكتملة

بالنصف الأخير للفيلم تتضح مشكلة بنية السيناريو، فلم يقدم المؤلف تبرير عن تغيير إليش تجاه طوني بعدما سافرت لأيرلندا، اتفقا أن زواجهما سرياً، لذا نتفهم عدم إخبارها لأحد إلا بعدما أفتضح أمرها، لكن لماذا لم تقرأ خطابات طوني أو ترد عليها!؟، لماذا فتحت الباب لجيم ليتقرب منها وخرجت معه بمفردها؟، لماذا أوهمت جيم بأنها تفكر في الإرتباط به؟، وحديث جيم عن مشاعره ومستقبلهما، فاحتضنته وكأنها تبادله مشاعره، لماذا عادت؟، صناع الفيلم لم يقدموا تبرير لهذه التصرفات، ولكن حرصهم علي التشويق والإلتباس لدي المشاهد حول مصير إليش بين العودة لزوجها أو البقاء بأيرلندا جعلهم لا يهتمون ببنية السيناريو ومنطقية التصرفات، فكان ترشيح الفيلم لجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو مقتبس عن عمل أدبي أمر محبط!

أداء الممثلين كان متميز وخاصةً Saoirse Ronan وEmory Cohen، وتميزت Fiona Glascott في دور روز، وكانت موسيقي Michael Brook الكلاسيكية إحدي جماليات الفيلم.

علي الهامش

يُشير الفيلم لدوافع الهجرة، ويوضح الفرق بين تقدم أمريكا وتأخر أيرلندا –آنذاك- مادياً: بإنبهار نانسي «بالمايوه الأمريكي»، ومعنوياً في سلوك مديرتي المتجران التي عملت بهما إليش في أيرلندا «اللامبالاة والمحاباة» ونيويورك «الإبتسامة والاهتمام»، تفصيلات بسيطة تجعلنا نفضل مكان علي آخر، ولولا تفسير الفيلم في حقبته الزمنية والإنبهار بالنموذج الأمريكي، ليمكن اعتبار الفيلم دعاية لأمريكا.

أخيراً الفيلم عبر ببساطة شديدة الجمال عن التنازع الذي يحمله المهاجر في داخله بين الأهل والوطن وبين الحب والمستقبل والعمل، والتي جعلتنا نتوحد مع ألم ومعاناة وترقب وفرح البطلة في رحلتها نحو الوطن التي أختارته.

Exit mobile version