ـ محمد جابر
هناك حالة من “الطزاجة” تسيطر على كل تفاصيل فيلم “بشتري راجل”، الذي بدأ عرضه في مصر يوم 14 فبراير/شباط. فعلى العكس من المحاولات الدائمة لصناع السينما التجارية في مصر أن “يسيروا جانب الحيط” وينفذوا “خلطة ناجحة ومضمونة” في كل عمل جديد، سواء كانت تلك الخلطة هي أسماء كوميدية لامعة أو شكل الفيلم الشعبي على طريقة السبكي (مطرب وراقصة وفرح وعشوائية) أو غيرها، وضع صناع “بشتري راجل” كل ذلك جانباً، وخلقوا عملاً ممتلئاً بمحاولات التجديد والرهانات خارج الصندوق، ونجحوا حتى الآن في كل شيء، وبقي فقط نجاح الفيلم تجارياً ليكون دافعاً للمزيد من المُخاطرة خارج القوالب المعتادة في مصر.
أول رهانات الفيلم كانت متعلقة بمخرجه وأبطاله: المخرج محمد علي غائب عن السينما منذ 10 سنوات كاملة، رغم أن بدايته كانت مبشرة جداً في فيلم “لعبة الحب” عام 2006، ثم “الأولة في الغرام” عام 2007، وفي كليهما أظهر قدرة على التعامل مع صنف الفيلم الرومانسي الكوميدي، وتناول “العلاقات العاطفية” بشكل خفيف وذكي. واختياره لفيلم مثل “بشتري راجل” هو رهان شجاع، يمتد إلى أبطال الفيلم أنفسهم، نيللي كريم ومحمد ممدوح، حيث حقق كلاهما نجاحاً تلفزيونياً كبيراً في السنوات الأخيرة، ولكنها المرة الأولى التي يتحمل أي منهما مسؤولية البطولة السينمائية. وهو اختيار يكسر قالب “الدراما الجادة” الذي وُضعت فيه نيللي كريم، ويكسر تماماً الشكل المعتاد لـ”نجم السينما”، خصوصاً في فيلم رومانسي، بالنسبة لـ”ممدوح”، الذي يخلق مقاييس جديدة للنجومية في السنوات الأخيرة.
ثاني الرهانات كان الذكاء الشديد في الحملة الدعائية الخاصة بالفيلم، وربما تكون المرة الأولى التي يحاول فيها فيلم مصري استغلال الثورة التكنولوجية الجبارة التي حدثت في السنوات الأخيرة، وارتباط الناس بوسائل التواصل الاجتماعي والجدل الذي يثار من خلالها، أسوةً بما يحدث في إعلانات الكثير من الأفلام والمسلسلات خارجياً. حيث قام مسؤولو الحملة الدعائية بتدشين صفحة بعنوان “بشتري راجل” وطرح فيديو منزلي لفتاة (لا تظهر ملامحها بشكل واضح) تسمى “شريهان نور الدين” (اسم بطلة الفيلم) وتقول إنها تجاوزت سن الـ35 وتريد أن تنجب طفلاً وتريد أن تمنح الرجل الذي يتبرع لها بحيواناته المنوية ــ بعد أن يتزوجا ثم يتطلقا عند حدوث الحمل ــ كل الأموال التي حصلت عليها. الفيديو الجريء وغير المعتاد انتشر سريعاً على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في منتصف شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، بل وانتقل للتلفزيون والصحف، قبل أن يعلن فريق العمل (في لقاء مع المذيعة لميس الحديدي) أن هذا الفيديو الذي أثار جدلاً واسعاً هو جزء من الحملة الدعائية وأن موضوع الفيديو هو في الحقيقة قصة العمل نفسه. وبهذا الشكل الذكي جداً استفاد الفيلم من كل النواحي، حيث أصبح الملايين يعرفون اسمه، وقصته، ويترقبون نزوله، ولديهم فضول لمشاهدته.
ثالث الرهانات هو في قصة وطبيعة وجرأة الفيلم نفسه. فقصة الشريط (كما الفيديو الدعائي) هي عن فتاة تقرر أن تكون “سينغل ماذر” أو أماً عزباء، تتزوج لأجل الإنجاب ثم تقوم بتربية الطفل وحدها. وبعد أن تبدأ الحملة تتعرف على الطبيب البيطري بهجت أبو السعد، ويتفقان على أن يتم الزواج بينهما، ولكن ــ وكما العادة في طبيعة أفلام الكوميديا الرومانسية الـ romantic comedy ــ تحدث العديد من المواقف على طول الأحداث، وتتحول العلاقة من “المصلحة” وربما “الضيق والمعاندة” إلى الحب في آخر الفيلم. ورغم تقليدية المسار الكلاسيكي المكرر والمعتمدة على تيمة “ترويض الشرسة” لوليام شكسبير (حيث امرأة رافضة للرجال تقع أخيراً في الحب) إلا أن “الجرأة” في “بشتري راجل” تتعلق بقضية “الأم العزباء”، وتتعلق كذلك بكيفية تناولها في سياق الأحداث. إذ كسر الفيلم بعض القوالب الجامدة وتعامل بشجاعة حقيقية مع صورة بطلته وأحقيتها فيما تفعله. كذلك لم يحاول أن يصنع “فيلماً أسرياً مُتكلفاً” واستفاد من تصنيفه العمري (+16) لتتميز بعض حواراته ومواقفه بالجرأة المناسبة للحكاية.
كل تلك الرهانات جعلت الفيلم مختلفاً عن أغلب الأفلام المصرية التي عرضت في الشهور الأخيرة. تدور أحداثه خارج الصناديق والقوالب المعتادة، ويبحث عن مساحات جديدة للتواصل مع الجمهور، خصوصاً مع تميز واضح على المستوى الفني. فمحمد علي يثبت لمرة ثالثة أنه مخرج جيد ومتحكم جداً في إيقاع أفلامه، ويحتاج لمساحة من أجل إظهار قدرات أكبر يمتلكها، ونيللي كريم تقول أخيراً إن لديها ما يمكن تقديمه خارج أجواء الدراما الصارخة وأدوار الفتاة أو السيدة المضطربة نفسيا او المكتئبة والمدمنة، وهي القالب الذي علقت فيه آخر ثلاث سنوات ما جرّ عليها عددا لا بأس به من الانتقادات، رغم نجاحها بأداء هذه الشخصيات. أما محمد ممدوح فهو الفائز الأكبر بمن “بشتري راجل”، حيث أصبح وبشكل رسمي وجهاً سينمائياً مقبولاً جماهيرياً يمكن طرحه كبطل منفرد.