المهرجاناتالمهرجانات العربيةسينمانامراجعات فيلميةمهرجان أبو ظبيمهرجاناتنقد

تجربة.. الصمت كمدخل إلى إستعادة متعة النظر

عمل سينمائي معاصر يغيب فيه الحوار
“تجربة” لألكسندر كوت.. الصمت كمدخل إلى إستعادة متعة النظر
“سينماتوغراف” ـ أبوظبي : مصطفى المسناوي
 
هل لا يزال ممكناً إخراج أفلام صامتة في زمن السينما الناطقة؟، سؤالٌ ردّ عليه عدد من المخرجين بالإيجاب في العقود الأخيرة، آخرهم الفرنسي ميشال هازانافيزيوس في فيلمه “الفنان” (2011)، الذي حاز عشرات الجوائز، من بينها خمس أوسكارات في العام 2012.  
 
لكن، إذا كان هازانافيزيوس أخرج فيلماً خاضعاً لجماليات السينما الصامتة القديمة، التي تعتمد على الأبيض والأسود واللوحات المكتوبة المتضمنة للحوارات والشارحة للمواقف، فإن المخرج الروسي ألكسندر كوت يلجأ، في “تجربة” المشارك في (مسابقة الأفلام الروائية الطويلة لمهرجان أبوظبي السينمائي) إلى خيار صعب لا يخلو من مغامرة، بإنجازه عملاً سينمائياً معاصراً تماماً، أي لا علاقة له ببدايات الفن السابع، تحضر فيه الموسيقى والمؤثرات الصوتية، لكن يغيب عنه الحوار، وتغيب كل كلمة منطوقة أو إشارة مكتوبة يمكنها أن تحدّد لنا علاقات الشخصيات بعضها بالبعض الآخر، أو المكان الذي تدور فيه الأحداث وزمانها، بحيث نكون مضطرين للإستعانة بالتقديم المكتوب المرافق للفيلم من خارجه، لكي نتمكّن ـ وقد صرنا سجناء تقاليد المُشاهدة التي رسّختها السينما الناطقة ـ من استعادة العلاقة بالسرد المعتَمَد على الصورة وحدها فقط، ولكي نتمكّن أيضاً من متابعة الفيلم، والاستمتاع به.
 
يقول التقديم المكتوب إن أحداث الفيلم تدور في سهوب قازاخستان خلال فصل الصيف، وتحديداً في شهر أغسطس 1953 بـ”سيميبالاتينسك”، حيث يعيش الأب تولغات وابنته دينارة في بيت ناء بعيد عن الناس والحضارة. لا يخرج الأب وابنته عن روتين يومي لا يتغيّر: يذهب بشاحنته صباحاً إلى العمل ويعود مساءً، بينما تظلّ هي في البيت ترعاه وتتعهّده إلى حين عودته. يقع الإثنان في قلب السرد الفيلمي، وبجوارهما تظهر شخصيتان إضافيتان: الفتى كايسين، الذي يقطن رفقة عائلته في أقرب بيت من المكان الذي تُقيم دينارة فيه، والذي يحبّها وينوي الزواج بها، لولا ظهور الشخصية الرابعة القادمة من العاصمة موسكو، أي الفتى ماكسيم سميموف، الذي سيُغرم بالفتاة وتغرم هي به، منهيان بذلك حلم الفتى كايسين.
 
 
جاء ماكسيم إلى هذا المكان النائي في إطار عمله كمساعد مُصوّر (كاميرامان)، ضمن فريق عمل مُكلّف بمهمة سرية: تصوير أول تجربة لتفجير قنبلة هيدروجينية في العالم. بذلك، تلتقي قصّة الحبّ الجارف التي يعيشها الفتية الثلاثة، كلٌّ على نحوه الخاص، بتجربة ستلقي ظلالها على تاريخ العالم، وتحدّد مسار “الحرب الباردة”، فيما سيعقب هذا التاريخ (أغسطس 1953) من سنوات.
 
ولتصوير هذا اللقاء بين “التجربتين” في فيلم من دون حوار، يعتمد ألكسندر كوت على مدير التصوير البارع والمقتدر ليفان كابانادزه، الذي يُعيد إحياء لغة الصورة بطريقته الخاصة، مُعتمداً على تركيبات هندسية أخّاذة، تزاوج بين اللون ودرجة الضوء واختيار الزاوية والإطار، ما يجعل كلّ لقطة لوحة تشكيلية بحدّ ذاتها، وبما يحوّل اللقطات ـ عند ربطها بعضها بالبعض الآخر ـ إلى سمفونية بصرية أخّاذة، تقرّب المُشاهد من المكان والشخصيات بقدر ما تقوده نحو متعة مفتَقَدة وغير منتظرة في آن واحد. ينطبق هذا على اللقطات الداخلية، والقريبة أو القريبة جداً للأشخاص، كما ينطبق على اللقطات البانورامية للطبيعة اللانهائية، أو تلك التي يتمّ تصويرها في مواجهة الشمس.
 
إن “التجربة” البشرية هنا، على الرغم من أنها الأساس، لم تعد تعني شيئا أمام “التجربة” الكبرى المقبلة: تجربة تفجير القنبلة. لذلك، يبني المخرج فيلمه على خيارات جمالية من شأنها أن توحي بذلك، على رأسها تحريكه شخصياته بحياد يغيب معه، عموماً، كلّ انفعال: سواء في علاقة دينارة بأبيها، أو في علاقتها بعشيقيها. وذلك علاوة على اللجوء إلى الزوايا العالية جداً (عين النسر) في اللقطات الضابطة لإيقاع الفيلم، والمتعامدة مع سطح الأرض، حيث يبدو الأشخاص كالنمل، وبالتالي يُمكن توقّع “انسحاقهم” المقبل.
 
يقول ألكسندر كوت، مُبرّراً خيار صمت الشخصيات في فيلمه، إن “التواصل الصامت يحمل أحياناً من المعاني أكثر مما تحمله الحوارات الفارغة. هذا الفيلم موجّه إلى أولئك الذين يحبّون النظر. وإلى أولئك الذين يتذكّرون أن السينما صورة قبل كل شيء”.
 
مواعيد عرضه:
الاثنين 27 أكتوبر، 6،45 مساء، فوكس 5
الأربعاء 29 أكتوبر، 4،15 بعد الظهر، فوكس 6
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى