بقلم ـ أحمد حسونة
يطرح المخرج علي نفسه سؤالا مصيريا وهو يسعي لإنجاز عمله الأول: هل يقوم بإقتناص الفرصة السانحة له تحت ظروف إنتاجية عصيبة تصل في بعض الأحيان إلي الاستحالة، في ظل صناعة شرسة لا ترحم، أم ينتظر الفرصة التي يحلم بها الكثير من المخرجين ولكنها لا تأتي أبد في كثير من الأحيان؟.
اختار المخرج تامر سامي الخيار الأول، وقرر أن يغامر في أولي تجاربه الروائية «تفاحة حوا» بعد أن أخرج عملين قصيرين، علي مستوي حرفي جيد وهما «موسم العنب» و «كما في مرآة»، وأظهر قدرته كمخرج مسيطر علي أدواته، بالإضافه إلي عمله تحت ظروف صعبة وميزانيات محدودة للغاية، مما شجعه علي الدخول في هذه التجربة، والاستعانة بالشباب الجدد في التمثيل والجوانب التقنية.
يأتي الفيلم ضمن مجموعة من الأعمال ذات الميزانيات المنخفضة، والتي تنتجها شركة ستارز بيكشرز من خلال د. محمد مراد، و د. خالد يكن، وهي موجهة في الأساس إلي الإستهلاك التلفزيوني وليس السينمائي، باكورة إنتاجهم فيلم «تفاحة حوا» لتامر سامي، و«روج» للمخرج جون إكرام والذي قام ايضا بإنجاز فيلمين قصيرين من قبل علي مستوي جيد من الحرفية في حدود الإمكانيات المتاحة.
تجربة الإنتاج السينمائي للتلفزيون تشوبها عادة مشاكل كثيرة، لإرتباطها بميزانيات محدودة، وعدم وضعها في الحسبان إي مصادر أخري تحقق ربحا للمنتج ماعدا القناة المنتجة، وبالتالي يقوم بتنفيذ العمل في أقل الحدود التي تجعل القناة تجيز العمل، عملا بمبدأ المثل الشعبي المصري «حاطط في بطنه بطيخة صيفي»، وبالتالي لا يزيد التحديات علي نفسه، إنما يلقيها علي كاهل المخرج المسكين الذي يأمل في أن تكون أولي تجاربه الطويلة هي بطاقته المهنية في المرور إلي عالم الأفلام الروائية.
أقتبس المخرج فيلمه عن رواية «أكابيلا» للكاتبة الروائية والباحثة «مي التلمساني»، وكلمة «أكابيلا» أصلها إيطالي تعني صوت منفرد بلا موسيقي تصاحبه، وذلك لإعجابه الشديد بها منذ أن قرأها عام 2012 في طبعتها الأولي. وقام السيناريست الشاب كريم كركور بالعمل عليها، من خلال جلسات عمل مشتركة بينه وبين المخرج لوضع الرواية في قالب سينمائي. وهو اختيار يعكس ذائقة المخرج حيث أن فيلميه القصيرين يدوران حول شخصيات نسائية.
ويدور النص الروائي حول «ماهي»، وهو الاسم المستعار التي أطلقته صديقتها عايدة عليها. تتوفي عايدة فجأة بدون مقدمات، وتغرق «ماهي» في حالة حزن شديدة، خاصة أن عايدة قطعت علاقتها بها قبل وفاتها بعدة أشهر.
أتسمت علاقة «ماهي» وعايدة بالحب والكره نتيجة غرابة أطوار عايدة، وهي القادرة علي جذب اهتمام الجميع بتصرفاتها وجمالها وشخصيتها الآسرة بالرغم من كل عيوبها. وتكتشف ماهي (الراوية)، يوميات عايدة قبل وفاتها وتبدأ في قرائتها، بحيث تتحول اليوميات إلي مرآة لها لتري فيها عايدة ونفسها، ومدي التقارب والاختلاف بينهما، بل تتدخل «ماهي» في إعادة ترتيب وصياغة بعض الفقرات الخاصة بيوميات عايدة، حتي تنتهي إلي نقطة تصالح مع نفسها وبعلاقتها مع صديقتها التي رحلت عن العالم، والتي أصبحت جزء منها لا تستطيع التخلي عنه، وتعبر عن ذلك بشرائها لشقتها، ولم شمل شلة عايدة، والتي لم تكن شلتها في الأساس.
وتتميز الرواية بشخصيتين غنيتين بالتفاصيل والمشاعر الخاصة لكل من عايدة والراوية، والعلاقة المركبة بينهن وبين الشلة ككل، وعلاقة «ماهي» بمذكرات عايدة، وهي رواية ليست بسيطة وتحتاج إلي جهد كبير لإقتباسها للسينما.
وللأسف لم يأتي السيناريو علي المستوي المنشود علي الإطلاق، فقد جاء مفككا، مشوها، يصعب علي المتفرج متابعته، و فقد معظم التفاصيل الدقيقة التي تضمنتها الرواية، وإذا وجدت فهي فاقدة تأثيرها نتيجة للمعالجة الخاطئة التي تم بها تناول الرواية.
حاول السيناريست والمخرج أن يخلق من الرواية قدرا من التشويق والغموض بأن يقدم ماهي (سهر الصايغ) هي عايدة، وعايدة (تارا عماد) هي ماهي، حتي نكتشف الأمر في النهاية، وليصل المخرج إلي هذه النتيجة، ظل يعمل علي إرباكنا في تسلسل الأحداث وفي الشخصيات بحيث فقد المشاهد القدرة علي التركيز ولم يتفاعل مع شخصيات الفيلم.
فلكي تخلق هذه النوعية من الاعمال التي يتسم ظاهرها بحالة من اللاوعي مسيطرة علي الفيلم، تحتاج إلي مستوي عقلاني رفيع ليغوص في أعماق اللاوعي بحيث يبدو كأنه عقلا غير واعيا.
وبالرغم من الإنحياز للطابع التشويقي بالفيلم، إلا أن المخرج حاول أن يتبني بناء الرواية في نفس الوقت، وهو بناء صعب الحفاظ عليه في السينما، وبالتالي لم يستطيع نقل أعماق الشخصيات ومشاعرها، ولم يزيد الأمر عن خدش سطح الرواية، وعدم الغوص في أعماقها.
ورغم بدء الفيلم بأن ماهي هي عايدة، لم نشعر بأنها شخصية مثيرة ومتوهجة مثلما تم رسمها بالرواية، بل تبدو كأمرأة عادية، وظلت عايدة (تارة عماد) هي المرأة المختلفة عن الباقي، وبغض النظر عن الرواية فماهي تم تجسيدها علي الشاشة بشكل لا يجعل المتفرج لديه الرغبة في متابعتها، وهو خطأ في إختيار الممثلة سهر الصايغ لهذا الدور بغض النظر عن ادائها، وفي نفس الوقت شخصية عايدة التي تبدو مختلفة، لم تستطيع تارا عماد أن تجسدها بشكل جيد نتيجة حدة ملامحها ومحدودية تعبيرات وجهها.
يأتي بعد ذلك الجانب التقني، ويتمثل في مستوي الصورة والصوت لنجد مشاكل عديدة، فالصوت غير مسموع بوضوح مما يزيد من مشكلة التشوش والإرتباك، وعدم فهم الأحداث، والصورة لم تكن جيدة علي الاطلاق، وتبدو كأنه تم معالجتها بمؤثرات خاصة لكي تؤدي غرضا معينا لكنها فشلت في ذلك، ثم الإكثار من المؤثرات البصرية والمزج وتركيب الصور فوق بعضها مما جعل الشريط السينمائي مزدحما، بالإضافة إلي تكرار عدة اشياء علي مدار الفيلم مثل لقطة الكمبيوتر وأوراق من يوميات عايدة وما تكتبه ماهي، والمزج بين لقطات ماهي ولقطات عايدة وهي ترسم بحيث أصبحت مكررة و رتيبة ولا نفهم تكرارها إلا في نهاية الفيلم.
لم يخرج تامر سامي من هذه المغامرة غير المحسوبة إلا بإنجاز عمله الطويل الأول، وخبرة عملية يحتاجها كل مخرج للإنطلاق في السوق الإحترافي للفيلم، وبالتأكيد ستزيد من إصراره في إنجاز عمله الثاني بالمواصفات والشروط التي يريدها والقادر بلاشك علي تحقيقها.