للكوري الجنوبي هونغ سانغ ـ سو
“تلة الحرية”.. كسر السرد التقليدي لقصّة حبّ
“سينماتوغراف” ـ أبوظبي: مصطفى المسناوي
لا يخرج هونغ سانغ ـ سو، في فيلمه الجديد “تلة الحرية” (مسابقة الأفلام الروائية الطويلة) في الدورة الثامنة لمهرجان ابوظبي السينمائي، عن الموضوعات والانشغالات التي سبق أن تناولها في أفلامه السابقة. كما أنه لا يبتعد عن مقاربته الجمالية الفنية وأسلوبه السينمائي الخاص، اللذين يجعلان منه واحداً من أبرز وجوه سينما المؤلّف في السينما الكورية المعاصرة. غير أن هذا الوفاء لم يحل بينه وبين تقديم شكل من “التنويع” على أفلامه الأخيرة، يبتعد فيه عن عالم السينما وفضاء معهدها بالعاصمة، وعن قصص الحب التعيسة بين أستاذ السينما وطالبته، ليروي حكاية الشاب الياباني موري، الذي يأتي إلى سيؤول لفترة لا تتعدّى أسبوعين، بحثا عن فتاة كورية (كوون) تعرّف عليها قبل سنتين عندما كان يدرّس بمعهد للّغات، واكتشف، حين عاد إلى بلده، أنه يحبّها فعلاً، فيُقرّر العوة إليها لتمتين علاقته بها، وتطويرها نحو الزواج.
في “تلة الحرية” (الفيلم الروائي الطويل السادس عشر للمخرج، في عشرين عاماً تقريباً)، لا يهتم سانغ ـ سو كثيراً بالصورة، بل يركّز أكثر على الشخصيات والمواقف التي يخلقها اللقاء بين بعضها البعض، وعلى الحوار بالدرجة الأولى. لذلك، يمتلىء الفيلم باللقطات الطويلة الثابتة التي تجلس شخصيتان فيها وجهاً لوجه، وتتحدثان فترة طويلة، من دون قطع، ومن دون أي حركة للكاميرا، باستثناء حركة “زووم” تقليدية، تقرّبنا من الشخصيتين أو من إحداهما، أو تبعدنا عنهما.
إذا كان المخرج، وهو نفسه كاتب سيناريو أفلامه كلّها أيضاً، قد لجأ في أفلامه السابقة إلى رواية حكايات متوازية تجري في وقت واحد، وتعيشها مختلف الشخصيات، أو إلى تقديم الحكاية نفسها من وجهات نظر مختلفة، مع فتح أعين المُشاهدين على إمكانية اتخاذ السرد مسارات متعدّدة، مبنية على الاحتمال وحده، فإنه يلجأ هنا إلى “بعثرة” زمن السرد، بشكل تتكسّر معه خَطِّيَة الحكاية التي تتحوّل إلى نوع من “المربكة”، يتعيّن على المُشاهد إعادة تركيب أجزائها كي تكتمل الصورة لديه في نهاية المطاف.
يبدأ الفيلم بكوون وهي تتسلّم مجموعة من الرسائل التي كتبها موري بصورة يومية، وتركها لها في إدارة معهد اللغات، ثم تشرع في قراءتها. حين تدرك أن الفتى الياباني جاء العاصمة الكورية خصّيصا كي يلتقيها، تُصاب بدوار، فتقع الرسائل منها في سلّم المعهد. تقوم بجمعها كيفما اتفق، ثم تجلس لقراءتها بهدوء. وبما أن الرسائل اضطرب ترتيبها أثناء جمعها، يضطرب سرد الفيلم بدوره، فنتابع المَشَاهد (أثناء قراءة كوون لها، بصوت موري خارج إطار الصورة) بعيداً عن كل ترتيب زمني، فيأتي التالي منها قبل السابق، ولا نفهم المشهد إلا برؤية لاحقة للمشهد المؤسِّس له (مثلاً، نرى موري في جملة من المَشَاهد رفقة صديقه، ولا نعرف من هو ولا كيف تعرّف عليه، إلاّ في مشهد لاحق).
هذا الكسر القصدي لخَطِّيَة السرد وللتتابع الزمني هو “التمرين” الجديد الذي يقوم به هونغ سانغ ـ سو لدفع المُشَاهد إلى مُساءلة البناء التقليدي للسرد الفيلمي، بل للذهاب أبعد من ذلك، أي إلى طرح السؤال حول الزمن نفسه: إن بطل الفيلم، موري، يقرأ باستمرار كتاب جيب اسمه “الزمن”، وحين تسأله الصديقة الجديدة التي تعرّف عليها أثناء انتظاره كوون عن مضمون الكتاب، نفهم من حديثه أن الأمر يتعلّق، في النهاية، بمجرّد وهم، يتداخل فيه الماضي بالحاضر والمستقبل.
إن كوون، وهي تقرأ رسائل ـ يوميات موري إليها وبحثه عنها وانتظاره لها، تقرأ عن أشياء حصلت في الماضي، في وقت كانت توجد هي فيه خارج المدينة، بينما نتابعها نحن بالصورة وكأنها تحصل الآن. لكنها، كلّما تقدَّمت في قراءتها، صارت تقترب من اللحظة الحاضرة المفتوحة على الأزمنة كلّها والاحتمالات كلّها.
العروض:
الجمعة 24 أكتوبر، 4،30 بعد الظهر، فوكس 5
السبت 1 نوفمبر، 7،45 مساء، فوكس 2