تنوعت الأسباب و«المعنى» واحد.. أشباح في أفلام السينما المصرية

 «سينماتوغراف» ـ  أحمد عبد الرحيم

 حسناً، ما هو الموت ؟ إنه – ببساطة – مفارقة الروح للجسد، عائدة إلى بارئها، لتنقطع حياة صاحبها على هذه الأرض. لكن بعض الشخصيات فى أفلام السينما المصرية، قدمت قهراً لهذه الحقيقة، حيث رفضت الموت، باقية على الأرض كأشباح، لتكمل مهمة منقوصة أو تحقق حلم مُلِح.

***

الحب هو السبب، والكره أيضاً !

فى فيلم عفريت سمارة (1959) من تأليف محمود إسماعيل واخراج حسن رضا، وهو الجزء الثانى من فيلم سمارة (1956) لنفس المؤلف، ترفض سمارة، المرأة العاشقة (أداء تحية كاريوكا) موتها فى الجزء الأول، وتتحداه باقية فى هذا العالم، لتستأنف تواصلها مع حبيبها ضابط البوليس، مُحاوِلة إيقافه عن الإرتباط بقريبته. لكنها فى النهاية ترضخ لأحكام القدر، موافقة على الرحيل، لأنها روح شفافة، إنتهت حياتها الأرضية، ولأنها تدرك – بسبب حبها – أن الضابط لابد أن يتابع حياته بشكل طبيعى مع إمرأة حية مثله ليعيش السعادة.

نرى النقيض فى فيلم ممنوع فى ليلة الدخلة (1976)، من تأليف فاروق صبرى وإخراج حسن الصيفى، عندما تعود الأم المتسلطة (أداء نبيلة السيد) بعد موتها سقوطاً فى بلاعة شارع مفتوحة، كعفريتة مزعجة تكدّر حياة الشاب الذى تزوج ابنتها، وتمنعه من ممارسة حقوقه الشرعية معها، لكونها عاشت ترفض إرتباطهما سوياً. أى أن كراهية الشخصية فى الحياة، لم يوقفها الموت، وما عاشت تستنكره، عادت من العالم الآخر لتمنعه. يكون الحل بإستدعاء روح سيدة أقوى منها، كى تجبرها على الإستسلام لمصيرها، لتختفى من هذه الحياة تماماً، وتموت “بالكامل” هذه المرة !

أحلام الموتى ومساعدة الأحياء

فى فيلم عفريت عم عبده (1953)، من تأليف واخراج حسين فوزى، يموت الصحفى البارع (أداء السيد بدير) لكن تظل روحه على الأرض، كى يساعد شاب وشابة طيبين، ويحميهما من شرور عم الشابة الذى يريد الإستيلاء على ميراثها. أطرف الأمور طلبه منهما إنشاء جريدة باسم “أخبار بكرة” تتخصص فى نشر أخبار الغد، وليس اليوم السابق، متمكناً من تحريرها عبر قدراته الخارقة كشبح، والتى تؤهله لمعرفة المستقبل، وهو ما حقق حلمه القديم بجريدة ناجحة.

وفى فيلم البعض يعيش مرتين (1971) عن قصة عادل كامل، وسيناريو واخرج كمال عطية، يموت الأب عالم الآثار (أداء يحيى شاهين) ساخطاً على أحوال أسرته. فابنته تقترب من حياة الإنحلال، وابنته الآخرى ضعيفة الشخصية، وابنه ينحرف متجهاً للسرقة. لكن تبقى روحه فى منزله لمدة 40 يوما، كى تقوِّم هذه الأسرة، وتنجز فى مماتها ما لم تنجره فى حياتها، وهو ما يتحقق فى النهاية.

وفى فيلم 4،2،4 (1981)، سيناريو وحوار فاروق صبرى وإخراج أحمد فؤاد، يتم إستحضار روح صاحب فريق كرة القدم (أداء أمين الهنيدى)، بعد خسارة فريقه المرة تلو المرة، كى يستدعى من العالم الآخر لاعبين محترفين متوفيين، يساندوا لاعبيه على نحو خفى، ويحرزوا الأهداف بدلاً منهم. تنجح الفكرة، وينقذ الميت الأحياء، لكن تفسد الأمور، عندما تسافر روح الرجل مع فريق الأشباح لمشاهدة مباريات كأس العالم فى البرازيل، تاركين الأحياء لخيبتهم !

أموات ينقذون أموات !

فى فيلم عروس النيل (1963) عن قصة لفائق إسماعيل، قائمة على فكرة للنجمة لبنى عبد العزيز، وإخراج فطين عبد الوهاب، تعود هاميس (أداء لبنى عبد العزيز)، آخر عروسة نيل فى زمن الفراعنة، بعد موتها بآلاف السنين، كى تمنع مهندس البترول الشاب من التنقيب عن البترول فى منطقة معينة بالأقصر، بحجة أنه يدنس التاريخ، وينتهك حرمات المقابر، كاشفة له عن أن هذه المنطقة، مدفون فى باطنها مومياوات عرائس النيل. بينما تقع هاميس فى حب المهندس، يأمرها آتون إله الشمس بمغادرة عالم الأحياء. وبعد العثور على مومياء هاميس ذاتها فى تلك المنطقة، يتراجع المهندس عن خططه، ويكتشف مقابر العرائس؛ لتنجح هاميس فى حماية التاريخ، وإعطاء المومياوات حقها من التكريم، وإن فقدت الحب. فازت هنا الروح، نوعاً ما، بما أرادت، لكن ليس كل الموتى هاميس.

وفى فيلم الحب فى الثلاجة (1993)، تأليف ماهر عواد، وإخراج سعيد حامد، يحاول البطل، وهو موظف فقير مقهور (أداء يحيى الفخرانى)، تجميد نفسه فى ثلاجة، إلى أن تصبح الأحوال فى مصر أفضل، لكن التجربة تفشل، ويموت، ليقابل فى نفس الثلاجة شخصيات قُتلت ظلماً بسبب فساد أخلاقى متنوع. بعد إتهامه زوراً بالقتل، ينتقل الموظف لثلاجة المشرحة الحكومية، حيث يقابل أمواتا مظلومين أكثر عدداً، ويخطط معهم لثورة كبرى. لكن قوات الأمن تقضى على هذه الثورة، وتميت “الموتي” نهائياً. تبدو هذه النهاية السوداوية مُعبِّرة أيما التعبير عن أجيال ما قبل 25 يناير 2011، التى أُحبطت محاولاتها للتغيير، وعجزت عن الخروج من الثلاجة.

تحقيق العدالة لتستريح الروح

فى فيلم عفريتة إسماعيل ياسين (1954) من تأليف أبو السعود الإبيارى وإخراج حسن الصيفى، يقتل صاحب الملهى راقصته الناجحة (أداء كيتى) طمعاً فى مبلغ التأمين على حياتها، لكن روحها ترفض الموت، حتى تطبِّق العدالة، وتقبض على قاتلها. لذلك تلجأ لزميلها فى الملهى، المونولوجست المسالم، طالبة منه معاونتها فى سعيها. وعقب عدد لا بأس به من المغامرات، والمشاكل، و – طبعاً – إتهام المونولوجست بالجنون، يتمكن من الوصول للقاتل، والزج به فى السجن، لتستريح الروح، وتذعن لرحيلها عن الأرض.

وفى فيلم عاد لينتقم (1988)، سيناريو وحوار وإخراج ياسين إسماعيل ياسين، عن الفيلم الكندى The Changeling أو البديل (1980)، ينتقل طبيب (أداء عزت العلايلى) للعيش فى فيلا بعد موت ابنته، لتراوده أصوات غريبة فيها، وتحادثه عبر جهاز تسجيل. يكتشف الطبيب أن الأصوات ليست لروح طفلته، وإنما لطفل عاش فى هذه الفيلا قديماً، ولا تزال روحه تحوم فيها، مُطالبة الأحياء بكشف خدعة إرتكبها رجل أعمال شهير إنتحل اسم الطفل كى يستولى على ميراثه. بعد فشل الطبيب فى فضحه، يموت المجرم فى ظروف غامضة؛ وإن كان يبدو واضحاً لنا أن الطفل الميت هو من حقق إنتقامه بنفسه، على طريقة “ما حك جلدك مثل ظفرك”.

***

إذاً، فى عُرف هذه الأفلام، تفارق الروح الجسد، ولكنها لا تفارق عالمنا، إلا – غالباً – بعد أن تحقق ما أرادت. إذا كنت تريد أن تأخذ ذلك على محمل الجد؛ فستجد ما يؤيدك فى علم ما وراء الطبيعة، وتراث ضخم من الظواهر الخارقة. إما إذا كنت لا تصدق أياً من ذلك؛ فلن تستطيع إنكار رسالة فكرية لصيقة به، بخصوص قوة الإرادة البشرية، وعدم فوات الأوان أبداً، فإذا كان الأموات قادرين على فعل كل هذا فى الوقت الضائع، فلما لا نفعله نحن فى الوقت الحالى ؟!.

Exit mobile version