«سينماتوغراف» ـ منى حسين
تحلق روح الثمانينيات عالياً في فيلم (Top Gun: Maverick ـ توب غان: المنشق) للمخرج جوزيف كوسينسكي. فكل مشهد فيه يقطر بروح تلك الحقبة التي جعلت فيلم الطيار المليء بالآكشن للمخرج توني سكوت مميزاً للغاية. نادراً ما كان Top Gun يأخذ نفسه على محمل الجد، وينطبق الأمر نفسه على Top Gun: Maverick باستثناء بعض التعديلات العصرية. لم تعد النساء مجرد ممثلات مساعدات هدفهن أن يكن الحبيبات للأبطال فحسب، حتى أن إحداهن قامت بتركيب مكيف هواء في فايترتاون بأمريكا، ومع ذلك، لم يخفف الفيلم أي من المواقف المتمردة أو الدراماتيكية المفرطة أو المشاهد الجوية المثيرة. بل أن موسيقى الغيتار الشهيرة تصدح في الفيلم في غضون ثواني وتخطف أنفاس المشاهدين.
ينغمس Top Gun: Maverick كما كان حال الفيلم الأصلي بالحالة الدرامية من دون أن يضيع وقتاً. لا يزال بيت “مافريك” ميتشل (توم كروز) هو نفس الشخص المخالف للقواعد بعد مرور 30 عاماً، والذي نلتقي به وهو يخرق البروتوكول ويتحدى الأوامر من أجل عملية خاصة على وشك أن يتم إلغاؤها. لا يزال كروز لا يعرف الخوف، ويُظهر نفس البراعة داخل قمرة القيادة، وتجد شخصيته نفسها قد أعيدت إلى Top Gun بعدما أثار استياء أدميرال آخر (يلعب دوره إد هاريس). تمتاز مقدمة الفيلم بتقديم كل ما هو مألوف للمعجبين القدامى، حيث يجد مافريك نفسه مدرباً من بين أفضل خريجي Top Gun الذين تم استدعاؤهم من قبل الضابط القائد “سايكلون” (جون هام) لمهمة تكاد تكون انتحارية.
إنه الجزء الثاني الذي يستحقه فيلم Top Gun وسيرضي عشاقه المخلصين. يلعب مايلز تيلر دور برادلي “روستر” برادشو، نجل “غوس” للممثل أنتوني إدواردز، والذي يبدو بأنه صورة طبق الأصل عن والده الراحل بالفيلم، ابتداءً من عزفه على البيانو لـ “Great Balls of Fire” ووصولاً إلى الشارب الكثيف. أما بيني بينجامين، فإن جنيفر كونيلي تلعب دورها بسلاسة كحبيبة مافريك القديمة والتي عادت علاقتهما الرومانسية للاشتعال، حيث تستبدل شخصية تشارلي التي لعبتها كيلي ماغيليز. أما هانغمان (غلين باول) فهو الشخص ذو الأهمية الذي يذكرنا بغرور مافريك أثناء الطيران، وبالتالي تستمر المقارنات بينهما. تمتلء خطوط الحبكة بالأحداث السريعة، مما يجعل Top Gun: Maverick فيلماً ترفيهياً رائعاً. فأنتم تشاهدونه من أجل عناصر رعاة البقر والرياضات الشاطئية ومخاطر الحوادث الوشيكة جداً للطائرات التي تكلف ملايين الدولارات. كل هذا يقدمه Top Gun: Maverick من دون أية تعقيدات بالقصة.
كما يقدم الفيلم إضافات مرحب بها على الصيغة، مثل “فينكس” (مونيكا باربارو)، والممثلة كارا وانغ، مما يقلل من الأعداد الذكورية التي طغت على الفيلم الأصلي. لا نقصد القول أننا لا نفتقد لكل الصراخ الذكوري داخل غرف الاستحمام، فهي جزء من الحمض النووي لفيلم Top Gun، لكن يبتكر المؤلفون إيرين كروغر وإيريك وارن سينغر وكريستوفر ماكوري سيناريو أكثر إحكاماً ولكنه مسلي بنفس القدر. لا يتمكن الفيلم من مقاومة رمي ابن غوس في مواقف صعبة أو منح مافريك مهمة تبدو مستحيلة. لكن مافريك يحب الاحتمالات المستحيلة ويجعل المسؤول عليه الذي يؤديهه جون هام يصاب بالإحباط كلما تصرف مافريك بسلوك متمرد كما اعتدنا منه، لذا فإن ذلك ليس بمشكلة تماماً.
بعد ما يقرب من 40 عاماً من إصدار الفيلم الأصلي، استفاد Top Gun: Maverick بشكل مثير للإعجاب من التطورات في قطاع أفلام المعارك الجوية. كان Top Gun ثورياً في وقته، لكن Top Gun: Maverick يترك آكشن الثمانينيات الذي عفا عليه الزمن وراءه بفضل التصوير السينمائي الرائع لكلاوديو ميراندا. سواء كانت المشاهد أمام شاشات خضراء أو كاميرات مثبتة في قمرة القيادة، فإن كل شيء ابتداءً من التدريبات الروتينية ووصولاً إلى القتال من المنظور العلوي يبدو واضحاً بشكل لا مثيل له. يعلقنا المخرج كوسينسكي في منتصف الجو لإلقاء نظرة علوية على طرق تدريس مافريك الخطيرة، وهو يتنقل بين تلاميذه بابتسامة بينما يلهثون من الإهمال المرح. كل شيء، وصولاً إلى التدفقات الضبابية التي تتدفق حول الفقاعة الزجاجية التي تحمي الطيارين، موجود بتفاصيل عالية الدقة حيث يتسابق مافريك وروستر والبقية مع الوقت وتتحول الدروس التي كانت ودية في البداية إلى تطبيقات عسكرية خالية من النيران.
لا شك في أن Top Gun: Maverick يتمكن من الطيران إلى قلوبنا، لكنه يعاني من سيناريو غير محكم تماماً. يعود كل هذا إلى المرح الذي ميز العلامة التجارية لأن المخاطر العاطفية غالباً ما يتم تبسيطها. لكن بالرغم من أن هذا لم يسلبني أي من ابتساماتي على مدار الفيلم، إلا أنني لم أستطع تجاهل مدى سعي Top Gun: Maverick لتكريم فيلم Top Gun، وصولًا حتى إلى التطورات السخيفة في الحبكة التي تضع دائماً مافريك على طريق المصالحة الشخصية أو النصر. توقعوا فيلماً ترفيهياً يخلو من المخاطر من ناحية الذهاب إلى السينما والانفصال لمدة ساعتين تقريباً عن العالم الواقعي لمشاهدة فيلم مليء بالطائرات. لكن لا تخافوا، فهذا الأمر لا يفسد متعة المشاهدة، لأن الفيلم لا يتوقف عن تقديم وقت ممتع للغاية.
يقدم Top Gun: Maverick وقتاً ممتعاً للغاية مليء بدخان الطائرات والارتفاعات المثيرة التي سترضي بكل أكيد المشاهدين الذين يبحثون عن فيلم صيفي ضخم كلاسيكي. لا يتخلى المخرج جوزيف كوسينسكي عن الحنين إلى أفلام الثمانينيات التي كانت لا تركز كثيراً على المنطق بل على البطولات الكبرى. جميع الوجوه الجديدة رائعة، كما أن تصاميم مواجهات الطائرات النفاثة استثنائية للغاية، والسعي وراء الإثارة يصل لمستويات عالية. إنه ليس فيلماً مدروساً عن طيارين دفعتهم القيادة إلى حافة الهاوية، ولكن ليس عليه أن يكون كذلك عندما تؤدي إثارة السرعة العالية إلى مشاهد آكشن بارزة. يحمل Top Gun: Maverick عناصر المرح الكلاسيكية، والبطولة الترفيهية المبالغ بها مع الكثير من الحماس، وهو تذكير مرحب به بحقبة أقدم من الأوقات السينمائية الأبسط.