«توب غان ـ مافريك».. يحقق أعلى الإيرادات ويعيد للسينما زهو ما قبل الوباء

«سينماتوغراف» ـ منى حسين

بفيلم إثارة وحركة أميركي مثالي بلا مفاجآت درامية من الأساس، يفاجئ توم كروز الوسط السينمائي بإيرادات هائلة لفيلمه “Top Gun: Maverick” (توب غان: مافريك)، يكسر معها أرقامه القياسية التي حققها في فيلمه “War of the Worlds” لستيفن سبيلبرغ، الذي بلغت افتتاحيته 64 مليون دولار أميركي عام 2005.

تجاوزت افتتاحية الأسبوع الأول لـ”توب جان” 2022 الـ100 مليون دولار أميركي، ووصلت إيراداته في أميركا الشمالية وحدها إلى 156 مليون دولار متفوقاً على التوقعات، ومحافظاً على أصالة طقوس المشاهدة في صالات السينما، فالعمل الذي تأجل عرضه ثلاث سنوات بسبب الوباء رفض بطله تماماً عروض بيعه إلى منصات إلكترونية وانتظر حتى حقق مراده.

بعد إعادة فتح دور العرض بشكل طبيعي عقب كسر حدة انتشار وباء كورونا، كانت الأفلام التي تسيطر على شباك التذاكر بإيرادات ضخمة عادة هي أفلام الأبطال الخارقين وبينها “باتمان” و”سبايدرمان” و”دكتور سترينج”، لكن نجم المهام المستحيلة فعلها، وبعد أيام من التحية العسكرية التي ألقتها عليه طائرات الجيش الفرنسي في مهرجان “كان” أثبت توم كروز، الذي يتم خلال أسابيع عامه الستين، أنه نجم شباك تذاكر كلاسيكي وحقيقي تفتح له أبواب السينمات على مصاريعها حيث يوجد العمل في أكثر من 4700 دار عرض بأميركا الشمالية وحدها.

كان لقاء توم كروز في مهرجان “كان” 2022 وحصوله على السعفة الذهبية الفخرية مؤثراً بعد أن لمس نجم هوليوود التقدير اللافت لمسيرته السينمائية الممتدة منذ أربعين عاماً، إذ احتفى بعرض خاص لفيلمه الذي حصد تقديرات نقدية ترجمت بعدها بأيام إلى نجاح كبير في شباك التذاكر، إذ اقترب الفيلم الذي لم تتجاوز ميزانيته 170 مليون دولار من تحقيق 600 مليون دولار إيرادات من دون السوقين الروسية والصينية.

وعلى ذكر روسيا والصين، فـ”توب جان: مافريك” يلمح من بعيد إلى أكثر من بلد من دون ذكر اسمها صراحة، فقد تكون روسيا أو الصين أو إيران، ومهمة النقيب مافريك شبه الممكنة شبه المستحيلة هي ضرب مصنع تخصيب اليورانيوم في “دولة متمردة”، إنها تطورات مهام مافريك منذ عام 1986 وحتى الآن، حيث عرض حينها الموسم الأول من “توب جان” من إخراج توني سكوت وحقق إجمالي إيرادات بلغت 357 مليون دولار، بالتالي فالعمل الجديد برمته يحمل حنيناً خاصاً لأشخاص وأبطال عايشهم الجمهور قبل زمن، وبعضهم عاد بشكل أو بآخر، حيث تظهر ميج ريان في لقطة خاطفة، وكذلك فال كيلمر في دور آيس مان، بينما كتب الفيلم خمسة مؤلفين أبرزهم بيتر كريج، ومن إخراج جوزيف كوزينيسكي.

ومثل “توب جان” الأول الذي حققت من خلاله أغنية “Take My Breath Away” لفرقة برلين نجاحاً واسعاً، ولشدة تميزها أضاف صناع الفيلم مشهداً رومانسياً خصيصاً من أجلها بين كروز وكيلي ماكجليز، ويأتي “توب جان” 2022 مع اهتمام خاص بالموسيقى، متضمناً أغنيات عدة بينها “I Ain”t Worried” لفرقة “OneRepublic” الأميركية، وبالطبع أغنية Hold My Hand لليدي غاغا، التي تجاوز عدد مشاهدي الكليب الخاص بها عشرين مليون مشاهدة عبر موقع “يوتيوب”. فعلى نغماتها يلتقي يت ميتشيل مافريك حبيبته التي ظلت دوماً قريبة وبعيدة “بيني بنيامين”- جسدت شخصيتها جينيفر كونيلي- بأداء منضبط وحضور خفيف وتفاصيل معتادة تكاد تكون رتيبة، فطبيعة الفيلم لا يلائمها سوى هذا النمط من حكايا الحب، إنه حضور نسائي ضروري لمعادلة ظهور البطل الوسيم القوي الناقم، فالحياة العملية للنقيب المتأخر في الحصول على الترقيات على الرغم من براعته هي ما يشغل صناع الفيلم ومحبيه، إذ تسيطر حكاية مافريك، الذي يصفه رئيسه بأنه مهدد بالانقراض بسبب تقدمه في العمر من ناحية، وبسبب مستقبل عالم الطيران المتطور الذي قد يكون فيه دور الطيار نفسه هامشياً من ناحية أخرى.

 ومن خلال تدريبات فرقة الطيران بسلاح البحرية الأميركية يدخلنا الفيلم، الذي حضر دوق ودوقة كامبريدج عرضه الخاص أخيراً في لندن، مباشرة في الأجواء، مستكملاً قصته التي انطلقت في موسمه الأول قبل 36 عاماً، حيث يفشل مافريك في مهمة بالجو ويفشل في الموت أيضاً حيث ينجو بصعوبة، ويكلف بأخرى في دولة غير صديقة لبلاده، ومن الوهلة الأولى تبرز شخصية مافريك المتمرد غير المطيع أوامر قادته، وبعد أن كان طياراً لامعاً في مقتبل العمر، يعود في هذا الجزء كمعلم يدرب شباباً ويليق به أن يكون أباً لهم وليس نداً أو منافساً مثلما نشاهد في كثير من اللقطات، لكنه لم يزل قادراً على العطاء ويكافح كي يثبت هذا لأصحاب القرار، إنه كبير في العمر والخبرة ويؤدي مهامه بشجاعة غير مسبوقة وبلياقة تكافئ من يصغرونه سناً بعشرات السنوات، لكن المناصب تخاصمه والموت كذلك.

إيقاع مشوق وسيناريو محكم ومخرج يعرف كيف يمسك بزمام الأمور ويأخذ من ممثليه أفضل ما لديهم، حتى العابرين منهم أمام الكاميرا، كما لا تخلو الدراما من دعابات خاطفة، فالفيلم على الرغم من أحداثه المتوقعة للغاية، بما فيها النهاية، لكن المشاهد يجد نفسه متورطاً في المتابعة ومواصلة العيش مع الشخصيات، وعلى رأسهم توم كروز الذي يضحي كثيراً بأمانه الشخصي بينما يؤدي مشاهد خطرة كثيرة بنفسه من دون الاستعانة بدوبلير- وهي مشاهد ستكون أكثر أضعافاً مضاعفة في فيلمه المقبل “مهمة مستحيلة 7″ المتعثر عرضه- فالطيار الأميركي الفخور الذي يتباهى بشارته وتفرده، يعيش مفارقات كوميدية بسبب فرق الأجيال بين المعلم وتلاميذه في بيئة التدريبات القاسية، وهي الأجواء التي تظهر معها تدريجياً عقدة الذنب القديمة التي ترافقه منذ أن كان في مهمة صعبة مع صديقه الراحل، فلا توجد لحظة واحدة من الملل بل كثير من حبس الأنفاس، ويبدو الجمهور متصالحاً مع فكرة حضور الرومانسية كـ”ديكور” يزين مشاهد القفز والطيران الضاغطة، فيما يظهر توم كروز مراراً بمشهده المفضل، حيث يسير بأقصى سرعته على ظهر دراجته النارية، لنحصل في النهاية على فيلم أكشن يرضي الجمهور الباحث عن بطل وعن متعة بصرية أفسدتها بعض الوقت اللقطات المقربة المبالغ فيها لوجوه الطيارين وهم يقودون تحت ضغط هوائي غير موات، لكنها مع ذلك أسهمت في ترسيخ وجهة نظر الفيلم المتعلقة بالبحث عن الأكثر فائدة في المهام الحاسمة، وهل الأساس هو الطيار المتسم بروح التفاني والإخلاص للفريق بمن فيهم قائده المتطلب، أم الطائرة فائقة التطور التي تنتمي للجيل الخامس.

عمل ضخم لا يجد فيه بطله حرجاً من أن يبدو ضعيفاً في أحد مشاهده بينما يتعرض للسخرية بالقول “أيها العجوز” من قبل المتدربين الشبان، وهي نقطة تجعلنا نتذكر الشروط الخانقة التي يضعها بعض الممثلين العرب في أعمالهم، حيث يفضلون أن يظلوا شباباً إلى الأبد، حتى وإن كانت لياقتهم أقل من توم كروز بكثير، وحتى لو كانت أعمارهم في مستواه أو تفوقه. إنها لعنة الشباب الدائم التي تفسد كثيراً من القصص السينمائية والعربية على الشاشة، والتي لا يعرف سوى قليلين فقط كيفية التعايش معها درامياً.

Exit mobile version