كنت اول من صرح واثبت ان لاتوجد في العراق سينما، وهذا موجود في ارشيفي. انه ليس اكتشاف بقدر ماهو واقع ملموس ان هنالك افلام عراقية متنوعة ومختلفة تحاكي وتقلد اتجاهات السينما العالمية ولو بشكل بسيط. اما مانقول عنه سينما ذات تاريخ حصيف او رؤيا فلسفية واضحة او تكنيك مميز او اتجاه معين او مدرسة بحد ذاتها فكل هذه الانماط لاتوجد لدينا نحن بالعراق، لاننا وببساطة السينما لدينا ليست مستمرة الانتاج، ولاتوجد لها قواعد واسس انتاجية ثابتة، وان المخرجين لايعملون بشكل متواصل عدا المخرج محمد شكري جميل، وما عداه هي تجارب محدودة قليلة العدد، ولانستطيع ان نلمس من خلالها اي اتجاه.
ان السينما هي انتاج متوفر وبذخ بالمال وبالوان وافكار ورؤى مختلفة بعيدة كل البعد عن الدولة واشتراطاتها ورقاباتها، وكذلك البعد عن الرقيب وسطوته. انني اكتب عن السينما في العراق منذ بداية الانتاج، ولنقل منذ «عليا وعصام»، وحتى الان. ان السينما بالعراق هي صدفوية الانتاج ومهرجانية الانتاج وخادمة لافكار السلطة وانعكاس لما يفكر به السياسي العراقي، لذا ستبقى نمطية الشكل والمضمون. واذا اردنا ان نخرج من هذا السجن، فعلينا ان نعمل على ايجاد مصادر انتاج مستقلة، وعن مخرجين يملكون رؤى وثقافة عالية، وليس عن مخرجين منافقين ومرضى نفسيين ومخرجين شباب مخدوعين بافلامهم القصيرة، وبجوائز تمنح مجاملة في كثير من الاحيان، وجل مايقومون به هو إسقاط الاخرين، وهذا باعتقادهم هو التمرد.
التمرد يجب ان يكون على وسائل الانتاج. وان يكون هنالك احترام للاجيال. السينما مثل الادب والكثير من الفنون تعتمد المجايلة. ولعمري لم ار أسوأ من بعض المخرجين الشباب الذين الغوا كل شيء، ولم يقدموا البديل، حالهم حال اميركا، عندما حطمت الكهرباء في العراق، وارجعتنا الى زمن المولدات.
وكما ان السينما الحزبية والمناطقية والعشائرية والطائفية لاتنتج لنا سينما حقيقية تجعلنا ننافس على اقل تقدير اقليميا، فان بعض المؤسسات التي انشئت بعد الاحتلال هي مؤسسات اغتنى اصحابها على حساب مجموعة من الشباب، بعد ان عرف القائمون على اداراتها من اين تؤكل الكتف، فاصحاب هذه المؤسسات يسافرون بالدرجة الاولى وينامون في احسن الفنادق، وصانعو الافلام الشباب المساكين ياكلون الفلافل ويركبون سيارات النقل العام، في حين نرى ان هذه المؤسسات تلقى الدعم المادي من اغلب مهرجانات العالم وكذلك السفارات ومن الشخصيات العامة ومن «المعممين» بعد ان يقوموا باللف والدوران حول هذه المراكز.
ان الممولين، وخاصة الاجانب، لايمنحون التمويل إلا ضمن سياقات وافكار تتلائم مع مايطمحون اليه. التمويل له اشتراطات، وفي بعض الاحيان قاسية، وتنتج لارضاء الممول ولاهداف الممول. والا ماهو الهدف الذي يجعل من سفارة الولايات المتحدة الاميركية تساهم بانتاج افلام مشوهة وتتناول الوضع العراقي بشكل سيء جدا، وتجعلنا مثل قبائل الزولو. ان هكذا نوعية من الافلام تعكس واقعاً متازماً يعيشه المخرج فقط، ويجعل شخصية العربي والعراقي بالذات مسخرة للغرب.
وهنا نرجع الى المربع الاول، اي اننا لن نستطيع ان نؤسس الى سينما تنافس او تتماهى مع دول الجوار، واقصد ايران وتركيا، خصوصاً. اننا امام جيل من الحرس القديم الذي كان ولايزال يعمل لذاته، وللسلطان، وامام جيل انخدع بمؤسسات جاء اصحابها من الخارج، وهمهم الحصول على اموال طائلة ولجيوبهم الخاصة.
هذه بعض الاشياء التي تجعلني الان احس باننا لانستطيع ان نخلق سينما جادة رصينة. وبعد هذه الاراء التي طرحتها ساكون انا المجرم والمتهم الاول بتحطيم الشباب. انني ادعوهم ان يتأملوا ماكتبته حرفا حرفا، كي نصل الى سينما عراقية حقيقية.