ثالث أيام برنامج “سينما الغد الدولي” بالقاهرة السينمائي
فيلم فنلندي عن حرب العراق وإيران
ونيتشه في مستودع القمامة
“سينماتوغراف” ـ رشا حسني
استأنف برنامج “سينما الغد الدولي” عروضه للأفلام القصيرة ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي 36 لليوم الثالث علي التوالي وتضمنت عروض برنامج اليوم أربعة أفلام قصيرة اتسمت بالتنوع والثراء:
1- مفاتيح الجنة ” Keys of Heaven” فيلم للمخرج الإيراني الفنلندي هامي راميزان ” Hamy Ramezan” والذي شارك بكتابة السيناريو مع السيناريست إيلماري أهو” Ilmari Aho “، تدور أحداثه حول رغبة مالك الفتي ذو 15 عاماً الفرار بأخيه عادل ذو 7 سنوات من جحيم الحرب بين العراق وإيران، تلك الحرب التي إتخذت من قبل العراق ظاهراً وطنياً ومن قبل إيران ظاهراً دينياً وفي حقيقتها لم تكن هكذا ولا كذلك.
افتتح المخرج فيلمه بمشهد لطفل صغير مُستغرقاً في رسم أشكال مُبهجة بدلاً من تجاوبه مع مدرسته لكتابة ما تردده عن الحرب والخلافة الإسلامية مُلخصاً بذلك مشاهد عدة كان من الممكن وضعها لتعبر عن مدي قسوة الحرب.
وإعتمد المخرج بشكل ملحوظ في إيصال فكرته علي مبدأ التضاد والذي من شأنه تأكيد المعني وتقويته وعاونه مدير التصوير بشكل كبير علي تحقيق تلك الرؤية من خلال الإضاءة خاصة في مشاهد الفتي ماجد فأغلب إضاءة مشاهده تعتمد علي إنارة جزء من وجهه وإظلام الجزء الأخر إلي جانب أنه كرر إستخدام النار في مشهدين له الأول مع أخيه الأصغر يحاول إقناعه بأن فكرة السفر ومغادرة إيران هي فكرة حتمية لا مهرب منها والثاني مع والده وهو يحاول إقناعه بعدم رغبته في التطوع للحرب لينتهي المشهد برضوخه لرغبة والده فعلاً، مؤكداً علي ذلك الصراع الداخلي للفتي بين ما يريده وما يريده له والده باستخدام صوت النار كعامل مساعد.
خص المخرج كل شخصية من شخصيات الفيلم ببعض المفردات البصرية التي ساعدت في تكوين فهم تلقائي لتلك الشخصية، فقد حدد الفتي ماجد في أغلب مشاهد بين جدران وأماكن ضيقة تعبيراً عن الحصار الذي يحاصره له والده والذي لم يتمكن من عبوره تماماً كما استخدم عنصر الإضاءة مع نفس الشخصية، وإعتمد بشكل كبير علي توظيف الألوان لخلق نفس الإحساس فقد استخدم اللونين الأسود والرمادي لأحداث المدرسة وما تحمله من قتامة سواء فيما يتم تدريسه أو في طريقة تعامل المدرسين ومدير المدرسة مع الطلبة في حين استخدم اللون الأصفر الدافئ في المشاهد التي تجمع الشقيقين معاً تدليلاً علي الحميمية بينهما وارتباطهم ببعض. فيما خص الطفل الصغير عادل باللون الحمر الذي ظهر بكراسته في أول مشاهد الفيلم ثم أثناء بيعه للورود الحمراء وذلك التناقض البصري بين أحمر الورود وشكل الطفل ومعاناته إنما هي مزيداً من تكريس تلك المعاناة.
بقي شيئاً أفقد الفيلم كثيراً من مصداقيته وواقعيته ألا وهو عدم تصوير الفيلم بإيران فقد إستبدل المخرج إيران بتركيا وهو الأمر الذي شوش كثير ممن شاهدوا العمل نظراً للإختلاف الواضح بين البلدين في كل شئ طبيعة المناخ، الملابس أو حتي الشوارع وهو ما جعل المخرج السوري حاتم علي يوجه تساؤله للسيناريست حول أنه لماذا لم يتم تصوير الفيلم بإيران فأجاب بأنه كان من الصعب تقبل فكرة الفيلم في طهران لذلك تخيرناً تركيا ليتم التصوير فيها.
2- السيارة الزرقاء ” THE BLUE CAR” فيلم كوبي من إخراج فاليري هيني ” Valerie Heine“، تدور أحداث الفيلم حول هانزل الأخ الذ يضطر أن يترك سان فرانسيسكو ويعوود لكوبا كي يرعي أخوه ذوي الإحتياجات الخاصة بعد وفاة جدته ليعود ويفاجئ بفتور العلاقة بينه وبين أخيه والذي يستعيدها من خلال لعبة كان يلعبها أخوه مع جدته قبل وفاتها.
عبر المخرج من خلال تكوين الكادرات عن الكثير فيما يخص الشخصيات، فالأخ القادم من سان فرانسيسكو دائماً علي البحر في أماكن ومساحات واسعة يفعل ما يحلو له أما الأخ ذوي الإحتياجات الخاصة دائماً ما كان يحصره المخرج بين فتحات سور شرفته الحديدة كتعميق لفكرة احتياجه وانحصاره داخل ظروفه الخاصة.
المُلفت للنظر في هذا الفيلم هو تمكن المخرج الواضح من أدواته والذي بدا بشكل بسيط من خلال عرضه لما يريدنا أن نراه وفقط، ففي لقطات بعينها تشعر وكأن الكادر مضبوطاً بالسنتيمتر لا شئ داخله زائد ولا شئ ينقصه فقط ما يلزم للقطة، إلي جانب تفهم الممثلين الرئيسيين الواضح لمراحل تطورات علاقتهم من فتور إلي رغبة حقيقية لإزالة الفتور إلي إهتمام وتجاوب خاصة الممثل ذوي الإحتياجات الخاصة.
3- تائه في الغبار” Lost in dust” للمخرج العراقي سوران إبراهيم “Sora Ebrahim“، تدور أحداث الفيلم حول الصراع بين شاب يزيدي وشاب أخر عميل بعثي علي الزواج من فتاة كردية مسلمة، وبالفعل تذهب الفتاة والشاب للزواج علي يد رجل دين “الملا” ولكن لا يتم الزواج.
لم تصل فكرة الفيلم بشكل واضح نظراً لتشتت رؤي مخرجه فقد أراد عرض أكثر من قضية منها العمالة والفرقة الدينية والقبلية وإضطهاد الفتيات ولم يركز علي أي منها بشكل بصري واضح.
4- صديقي نيتشه” My friend Nietzsche” للمخرج البرازيلي فاوستون دي سيلفا Fáuston da Silva”” وتدور أحداث الفيلم حول الطفل لوكس الذي يواجه صعوبات في القراءة فتنصحه مدرسته بأن يظل يقرأ ويقرأ كل ما تقع عليه عيناه حتي تتحسن مهاراته اللغوية وبالفعل يستجيب لها لوكاس لينتقي من مقلب القمامة كتاب “هكذا يتكلم زراديشت” للفيلسوف نيتشه ولافعل تتحسن مهارات لوكاس اللغوية ولكن يواجه متاعب من نوع أخر لينتهي الفيلم بمفارقة كوميدية وُفق كلاً من السيناريست والمخرج في صنعها وصياغتها.
حاول المخرج والسيناريست أن يطرحوا فكرة بسيطة من خلال طرح كوميدي وهو ما يمكن أن تفعله الأمية في المجتمعات الفقيرة فحينما بدأ الطفل أن يتعلم وتتفتح مداركه إتُهم بالجنون والكفر وعدم معرفة الإله وأصبح كل من حوله يخشونه.
لم يتعال المخرج علي فكرته البسيطة بإعطائها أكبر من حجمها بصرياً بل عبر عنها بمنتهي السلاسة والبساطة من خلال الكادرات المتوسطة في أغلب أوقات الفيلم واستخدام اللقطات الواسعة في مقلب القمامة كنوع من تعميق فكرة الكارثة حينما يجد الطفل كتب نيتشه وكارل ماركس بين القمامة.
علي هامش العروض:
– تُدار مساحة حوار ما بين الجمهور ومن حضروا من صناع الأفلام لمناقشتها وفي أغلبها تكون مناقشات جادة وثرية ومفيدة حيث أغلب الحاضرين من طلبة المعاهد السينمائية وصناع الأفلام الشباب مما يخلق مساحة حوار وتقارب مشتركة تعود بالنفع علي الجميع.
– كثير من أسماء المخرجين والمنتجين والكتاب تم الخلط بينهم وكتابتهم بشكل غير صحيح في جدول عروض المهرجان، وهو ما يستلزم جهدا أكبر في البحث والتدقيق عن كل تفاصيل الفيلم القصير وصانعيه نرجو أن يتم تلافي ذلك فيما بعد.