لقاء الصدفة في قلب الخطر قد يعصف بكل الثوابت ويكشف حقيقة المشاعر ويغير من خطوط السير للبشر إن تعرضوا لمثلها، فالمشاهد طوال أحداث فيلم (mountain between us ـ الجبل بيننا) الذي اختير لافتتاح مهرجان القاهرة السبنمائي، يتوقع أن تشتعل شرارة الحب بين بطليه الذين جمعتهما الأقدار على غير موعد وسط الجبال البيضاء المغطاة بالثلوج الكثيفة، ليكون في إنقاذهما وأعادتهما للحياة إنقاذ لقصة حب تولد في قلب الخطر.
رغم أن قصة الفيلم التي كتب لها السيناريو كريس وايتز وجاي ميلز جودلو ليست جديدة وتطرقت إليها أفلام عالمية بل ومصرية مثل «البداية» للمخرج الراحل صلاح أبوسيف و«الطائرة المفقودة» للمخرج أحمد النحاس التي تعتمد علي حادث تحطم طائرة وبقاء ركابها في منطقة معزولة وخطر الموت يحيط بهم، هذه اللحظة الفارقة تكشف كثيراً من مواقفهم وتعري من مكنونات النفس البشرية بكل ما يعتمل فيها من لحظات قوة وضعف.
في فيلم «جبل بيننا» تفاجأ بطلته المصورة الصحفية (اليكس مارتن ـ كيت وينسلت) وهي بالمطار أن الرحلة التي ستستقلها إلي دنفر قد ألغيت، وأن عليها الانتظار إلى اليوم التالي لكنها تصر علي السفر بأي طريقة لإقامة حفل زفافها، في نفس الوقت الذي ينفعل فيه راكب آخر يعمل طبيباً (بن ـ إدريس ألبا) لضرورة سفره لإجراء جراحة خطيرة لمريض ويبحث الاثنان عن وسيلة للسفر فيستقلان طائرة خاصة لراكبين، ويدفع كل منهما 800 دولار للطيار الذي يصحب كلبه معهما، وخلال الرحلة يتعرض الطيار لأزمة صحية ويحاول الطبيب إنقاذه بينما تترنح الطائرة بهم ويعيشوا لحظات رعب حقيقية وتسقط الطائرة بمنطقة جبلية تغطيها الثلوج الكثيفة، ويموت قائدها بينما ينجو كلبه وراكبيها بعد أن تعرضا لكسور متعددة ولحظات رعب مخيفة .
ومع تسارع الأحداث في مشاهد الفيلم الأولي، وتلاحقها وبراعة المخرج في تصوير مشهد تحطم الطائرة وسط الجبال الكثيفة الثلوج، إلا أن الإيقاع يهدأ كثيراً إلي حد البطء وكل من البطل والبطلة يستجمعان قوتهما في صراع البقاء للبحث عن وسيلة إنقاذ بعد أن تحطمت المنارة اللاسلكية المخصصة للاتصال بالطائرة وانقطع الإرسال التليفوني في تلك المنطقة التي تعانق فيها الجبال السماء لتبدو كلوحة بارعة تضفي علي مشاهد االفيلم صفاءاً ورونقا.
رجل وإمرأة وكلب تدور الأحداث من خلالهما، ويفرض الحادث المأساوي علي الغريبين نوعاً من التقارب الحتمي، فيعمل الطبيب علي علاجها ويتقاسمان الطعام المتبقي والغطاء والنوم، بل ويساعدها الطبيب كذلك علي قضاء حاجتها بعد أن تحطمت ضلوعها وتجمعهما لحظات الخوف والقلق والتوتر والضيق، ويراودهما الأمل في أن تمتد إليهما يد القدر لتخرجهما من قلب المأساة، خاصة مع نفاذ الطعام والماء واضطرارهما لتناول أي شئ لضمان بقاءهما علي قيد الحياة.
لحظات الخوف وفقدان الأمل والتقارب والعراك تفجر بينهما مشاعر دافئة، وإنجذاب روحي وجسدي يدفعهما لمقاومة الموت والإصرار علي الحياة.
يبرع البطلين وينتست وألبا في أداء شخصيتيهما ويشكلان ثنائياً فريداً، وتظهر وينسلت في أغلب مشاهد الفيلم ووجهها ملئ بالإصابات وتعبر ببراعة عن لحظات الضعف والخوف التي تعيشها البطلة.
ومع عودتهما للحياة يكتشف كل منهما أن ما كان في حياتهما قبل الحادث لم يعد، فينسحب خطيبها بهدوء وتعود إلي بن في مشهد بديع حين يكتشفا أن الحب الذي جمعهما في لحظة ترقب الموت هو الذي أعادهما إلي الحياة.
لاشك أن الفيلم يمثل تجربة مهمة لمخرجه هاني أبو أسعد وهو يخوض تجربته الأولي في السينما الأمريكية بعد أن سبقه إليها المخرج السوري الكبير مصطفي العقاد، وبالطبع تضع هوليوود شروطها وتفرض قوانينها مع كل غريب يتعامل معها وقد فرضت شروطها علي هاني أسعد فقدم فيلماً أمريكياً بلغة السوق وقد يكون ذلك مقبولاً في تجربته الأولي مع السينما الأمريكية.