«جوليتا».. المودوفار يطور من أسلوبه ويشوقنا

 

المغرب ـ  محمد هاني

«جوليتا Julieta» هو الفيلم الجديد للسينمائي الاسباني الكبير بدرو المودوفار، أثار هذا الفيلم ضجة كبيرة في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» وكان كل النقاد والسنيفليين يجمعون على أنه سوف يكون له شأن كبير، إلا أن جميع التكهنات لم تكن صائبة ولم يحصل هذا الفيلم على أي جائزة، وشخصيا لم أستطع مشاهدته في مهرجان كان لكن من فترة أتت الفرصة وشاهدته وأنا مشدود إلى تفاصيل قصتة الإنسانية المميزة، وتقنياته السينمائية المستخدمة، وقررت بعد هذه المشاهدة أن أقدم هذه القراءة البسيطة لفيلم رائع له عدة أبعاد.

عندما نتحدث عن الكبير «بدرو المودوفار» وعن أفلامه التي يرسمها بأسلوبه السينمائي «العاطفي»، وتأثره بسينما هوليوود في فترة الثلاثينات وأفلامها وجمالياتها كما في فيلم «حواء» مثلا لمانكويتش. يجب أن نشيد بهذا الأسلوب الاستثنائي الذي خلقه المودوفار لنفسه مبتعدا بذلك عن الطبع العام الذي تعرفه السينما الأوروبية والاسبانية بالخصوص. نعم انه سينمائي برع في استخدام أدواته، فهو يعمل في معظم أفلام على الغوص بنا في الحياة الشخصية العميقة للنساء، يثقل هذه الحمولة التعبيرية بمشاعر إنسانية تجعل من المتابع بتلقائية يتعاطف مع بطلات أفلامه، ويحبهن ويقتادهن في حياته، أفلامه تعددت وتباينت بين أفلام تألقت دوليا وأخرى لم يحلفها الحظ، فنجد فلمه All About My Mother حاز على جائزة الأوسكار لسنة 1999، تلاه بعد ذلك بثلاث سنوات فيلمه الدرامي الرائع Talk to Her، لكن في بعض الأحيان كان المودوفار يصيبنا بالإحباط من خلال أفلامه التي لا ترقى إلى مستواه السينمائي العالي، وهنا من الجدير أن أذكر بأن هذه المخرج المتمكن لم يدرس السينما أبدا لكنه كان من هواتها الشغوفين بها في مرحلة فرانكو باسبانيا.

المودفار عاد لنا هذه السنة بفيلم جوليتا الذي لم يخرج فيه عن ميولاته السينمائية، حيث جسد قصة امرأة تعيش في حالة اشتياق دائم لأبنتها التي هجرتها. ويعمل المودوفار على تشريح هذه الحالة النفسية في قالب سينمائي يغلب عليه طابع من الأحاسيس والمشاعر التي يحاول نقلها في بعض اللقطات من الشاشة إلى قلب المتلقي، وجوليتا قصة مقتبسة من ثلاث قصص قصيرة للكاتبة الكندية أليس مونرو، حيث قررت الابنة أن تقطع صلتها بأمها «جوليتا» ولفترة تزيد على العشر سنوات وهربت لتعيش في منتجع أو ملجأ «روحاني» ظنا منها أن الأم كانت سببا في موت الأب- وهو صيّاد خرج ليصطاد في البحر وتغيرت أحوال الطقس وهبت عاصفة جعلته يغرق.

عندما غابت الأبنة قررت جوليتا أن تستمر في الاحتفال بعيد ميلادها، وكانت كل عيد ميلاد تتلقى رسالة منها، دون أن يوجد عنوان المرسل عليها، وبعد تلقي الرسالة كانت الأم كعادتها كل سنة تلقي بتورتة الاحتفال في صندوق القمامة، في قالب من الدراما يجعلنا المودفار مشدودين إلى الفيلم ويشوقنا لقطة بعد أخرى، فكان في بعض المرات يهرب بنا إلى العلاقات الجنسية التي أقامتها جوليتا، ومرات أخرى كان يذهب بنا إلى أصدقائها لكي يعطينا خيوطا من هذه القصة الغامضة، حتى نهاية الفيلم عندما تصل جوليتا رسالة من ابنتها تدعوها إلى زيارتها وتخبرها أن لها ثلاثة أطفال، بعدها تركب السيارة مع رفيقها ويتجهان لزيارة الابنة. تركنا هنا المودفار في مشهد حماسي نتخيل كيف سوف يكون هذا اللقاء الأخير بين الأم وابنتها، «وكان ذلك مشوقا»، وهو الأسلوب السائد في أغلب أفلام هذا المخرج المميز، لكنه في فيلم جوليتا بالخصوص قام بتطويره  لجعل الخيوط الدرامية للفيلم في تطور سريع ودقيق من مشهد إلى أخر، وكانت المصادفة المتعمدة كما في الميلودراما هي التي تتحكم في حركة وتطور الأحداث. أنه أسلوب مميز يتقنه المودفار ويحافظ عليه ويطوره من عمل إلى أخر.

جوليتا فيلم من الدراما الصاخبة بالأحاسيس والمشاعر التي تجعل أي متلقي يتعاطف مع البطلة، ويرسل من خلاله المخرج سلسلة من الرسائل المشفرة تستلزم متتبعا محترفا لسينما كي يحلها، رسائل تجلت فيما هو إنساني واجتماعي وثقافي وأيضا سينمائي.

Exit mobile version