«سينماتوغراف» ـ عمار فراس
واجه فيلم “جيش الموتى ـ Army of Thieves “، الذي صدر هذا العام بتوقيع المخرج زاك سنايدر، العديد من الانتقادات، التي تتعلق بفجوات الحبكة وبعض التفاصيل التي حرضت مخيلة وضيق بعض المشاهدين؛ إذ اتُهمَ سنايدر بالإطالة، وعدم تبرير فرضية الفيلم المتمحور حول مجموعة من المرتزقة، يريدون سرقة خزنة في أحد كازينوهات لاس فيغاس.
لكن، وفي محاولة للحفاظ على سلسلة الأفلام التي تريد نتفليكس إطلاقها حول عالم الموتى الأحياء، بثت المنصة فيلم “جيش اللصوص”، من بطولة وإخراج ماتياس شفيغوفر الذي يلعب، كما في الفيلم السابق، دور لودفيغ ديتر، أو سيباستيان الشاب الألماني المهووس بالخزنات وأقفالها، ثم يتعرف على غويندلين، لصة فنون محترفة ومطلوبة من قبل الإنتربول، والتي تعده بتغيير حياته إلى الأبد إن ساعدها.
يتعرف سيباستيان على فريق اللصوص الذي تقوده غويندلين. وضمن حبكة يتداخل فيها العنف مع الكوميديا، ووباء يحول الناس إلى زومبيز في نيفادا (الولايات المتحدة)؛ نكتشف أن سيباستيان مهووس بالخزنات، خصوصاً الثلاث التي صنعها هانز فاغنر، واحد من أكثر مصممي الخزنات احترافاً وأقلهم شهرة، لنكتشف أن هدف لودفيغ هو فتح الخزنات الثلاث في محاولة لتحقيق ذاته وحلمه.
لا تدور حبكة الفيلم حول الزومبيز؛ إذ نتتبع مغامرات الأخرق سيباستيان ومهاراته المتنوعة، وكيفية تعامله مع المخاطر. في ذات الوقت، يسخر الفيلم من “الأفلام” نفسها، وكأن الشخصيات تعي أنها في فيلم؛ إذ تعلّق على أسلوب مونتاج مشاهد السرقات، وتتهكم على الحوار الذي يدور بينها، ناهيك عن الأحلام التي تراود لودفيغ، تلك التي يتحول فيها الجميع إلى زومبيز، وكأن الوباء وصل إلى أوروبا، في إحالة إلى الفيلم السابق. كما يوظف الفيلم كل الكليشيهات المتعلقة بأفلام السرقة، مثل تصميم الخطة، والفريق المخيب للأمل، وتنفيذ العمليّة… كلها حاضرة بشكل مفارقة ساخرة.
ما يثير الاهتمام في الفيلم، أن الغرض الذي تلاحقه الشخصيات، هو ثلاث خزنات، كل واحدة منها يرتبط تصميمها بأوبرا ألّفها الموسيقي الشهير ريتشارد فاغنر، ناهيك أن علاقة سيباستيان مع كل خزنة تتجاوز المهارة نحو التورط العاطفي.. كل واحدة منها بالنسبة له عمل فنيّ لا بد من اكتشاف العبقرية وراء تكوينه وأسلوب تصميمه وطبيعة الأقفال التي تحافظ عليه مغلقاً. وكأنه وشركاءه يحاولون بناء أسطورة، وتخليد أسمائهم كونهم مَن تمكّنوا من فتح الخزنات الثلاث.
من وجهة نظر أخرى، إن نظرنا إلى الفيلم كعمل عن “أفلام السرقة”، تبدو الخزنة في هذه الحالة أشبه بشيفرة عن السينما نفسها، قلة قليلة تستطيع تقديرها وفك “رموزها” للاستمتاع بها حقاً وتقدير العبقرية وراءها. وهذا الضبط ما كان يحاول لودفيغ القيام به، تعريف “المشاهدين” على عبقريّة شخص صنع “فناً” ولم يلق اهتماماً من أحد.
يعلق الفيلم، أيضاً، على شكل الشهرة الحاليّة؛ فسيباستيان صاحب الموهبة والمعارف النظرية المثيرة للاهتمام، يلجأ إلى يوتيوب من أجل تحقيق الاعتراف من الآخرين، لكن حرفياً لا أحد يشاهد تسجيلاته سوى اثنين، غويندلين التي تقوم بتجنيده، ومحقق الإنتربول الأخرق الذي يفشل في إلقاء القبض على العصابة. هذا الشكل من “الشهرة في المنزل”، تقابله المغامرة الحقيقية، تلك التي تقدمها غويندلين للودفيغ؛ إذ تتضمن مطاردات واقتحام بنوك وألغازاً محيرة، الرهان فيها على الخطر واكتشاف العالم وأسراره، ليس الاختباء وراء الشاشة واستعراض الذات.
يجيب الفيلم عن واحد من الأسئلة التي طرحت على فيلم “جيش الموتى”؛ إذ نكتشف وجود خزنة رابعة، تلك التي يعتبر فتحها واحدا من المستحيلات، وتحدياً يرغب سيباستيان في خوضه، ومكان هذه الخزنة هو لاس فيغاس، حيث الزومبيز. هنا، يتضح لنا أن الشاب الألماني الذي نراه في جيش الموتى، ولا نعرف سبب وجوده، ليس إلا حالماً يريد تحقيق أسطورته الشخصية، وفتح الخزنات الأربع؛ إذ لا تهمه النقود، بل فقط إثبات ذاته والوفاء بوعده لغويندلين التي أحبها وأحبته.