*** أسامة عسل
فيلم (حارس الذهب ـ The Furnace ) للمخرج الأسترالي رودريك مكاي، وبطولة النجم العربي أحمد مالك في أولى بطولاته خارج مصر، عرض لأول مرة في مهرجان فينيسيا الأخير، ثم قدمه (الجونة السينمائي) قبل طرحه عربياً وعالمياً في صالات السينما.
نال العمل استحساناً نقديا وفنياً، وبالطبع المستفيد الأكبر من ذلك هو الممثل المصري أحمد مالك، الذي قدم دوراً صعباً، لشخصية معظم ردود أفعالها وانفعالاتها داخلية، وأغلبية قراراتها ضد مبادئها وما تحمله من قيم وعقيدة، كونه يقدم دور (حنيف) الأفغاني المسلم، وبالتأكيد ليس من السهل أن تأتي الفرصة لشاب عربي في أولى خطوات مسيرته نحو السينما العالمية، بفيلم من الإنتاج الكبير، ويلعب فيه دور البطولة، فهل نجح مالك في استغلال ذلك؟، هذا ما سنعرفه خلال السطور الآتية.
على أرض تاريخها مجهول بالنسبة إلينا، وفيها من الحكايات غير المروية الكثير، ومع زمن نهاية القرن الــ(19)، ينقلنا الفيلم إلى غربي أستراليا، حيث قامت الإمبراطورية البريطانية، بجلب جنسيات متعددة من السيخ الهنود، والمسلمين من أفغانستان وإيران، وجنسيات من أماكن أخرى، مثل أسكتلندا وأيرلندا، لاستخدامهم بالسخرة في هذه الأرض البعيدة، لتحقيق أهدافها والسيطرة على الأستراليين الأصليين؛ وبمعنى أصح، يرصد هذا العمل تاريخاً منسياً في شكل فني، بعيداً عن قوالب السينما التجارية المعروفة في أفلام رعاة البقر، حيث يقدم المخرج صوراً متتالية في بداية الفيلم، وطوال مدة عرضه لحياة بائسة، تاركاً الطبيعة تتحدث عن نفسها، مستخدماً الأحداث لتؤكد طمع الإنسان خلال رحلته لكل ما هو موجود.
واعتمد رودريك ماكاي على كتاب (التاريخ المنسي للجمالين في أستراليا)، ليكون دليله في رسم صورة شخصية (حنيف) راعي الجمال الأفغاني، وبدقة شديدة كان هذا الكتاب هو الملهم للمخرج خلال عمله على هذا الفيلم.
يعتمد العمل على ما يسمى بـ(سينما الطريق)، وهو يقدمها بامتياز، حيث يبدأ بمشهد (حنيف – أحمد مالك) القادم من أفغانستان، وهو يسحب جماله ويقودها وسط الصحراء، عل وعسى يحقق أمنيته بالعودة إلى دياره، وملاقاة والده الذي فارقه منذ سنوات، ومن خلال مشهد صراع حول بئر للماء، استخدمه (حنيف) للوضوء ليؤدي صلاته، يفقد صديقه السيخي حياته بعد أن دافع عنه، في لقطات تؤسس للعلاقات الإنسانية وتنصفها برغم اختلاف عقائدها.
يجد (حنيف) نفسه وحيداً وسط ظلام صحراء أستراليا، ليكتشف شخصاً جريحاً يعرف فيما بعد أنه سارق للذهب، وأن السلطات البريطانية تلاحقه، وتحت التهديد والخوف والإغراء بأن يأخذ حصة من الذهب، ينصاع الشاب الأفغاني، ويقود آرثر الجريح مع قافلة الجمال، ليصل به الي مكان الصينيين الذين يقومون بصهر الذهب لإزالة علامة التاج البريطاني عنه ليسهل بيعه.
على الجانب الآخر، يرصد الفيلم فريقاً مختلفاً يمثل السلطة البريطانية، يبحث وينقب من أجل استعادة الذهب، ووسط الأرض الشاسعة وجماليات المكان الممتد، يتفوق مدير التصوير في تقديم مشاهد مميزه للصحراء فجراً وظهراً وليلاً ونهاراً، عكست الرحلة المضنية وصراع الأعراق المختلفة ومصاعب الطريق.
يحتوي الفيلم على الكثير من عناصر التشويق، التي يبحث عنها محبو نوعية (الويسترون)، لكنه يفقد قوته في ثلثه الثاني الذي كان ذا إيقاع بطيء، وبرغم ذلك نجح أحمد مالك في الإمساك بشخصية (حنيف) وما بداخلها من انقلابات نفسية، خصوصاً عندما يجد نفسه محشوراً في مواجهات خطرة تنتهي برصاص الأسلحة، الذي يذهب ضحيتها ابن من يمثل السلطة، وكذلك السارق آرثر، ثم الصينيين الذين يتعرضون لمجزرة، تعكس الطمع الإنساني واللعنة التي حلت على الجميع بسبب الذهب.
لم يسرف كاتب السيناريو، وهو المخرج نفسه بالإسهاب في حوارات مطولة داخل الفيلم، بل ترك نظرات (حنيف) ترصد قصص قتال وصراعات عرقية وفقد وضياع، وتترجم ما يفتعل بداخله، وهو يستمع من الجميع إلى التراجيديا القاسية عن حياتهم وما تعرضوا له.
وتماماً كما فعل مع صديقة السيخي، يأتي مشهد النهاية عندما يحفر (حنيف) قبراً لآرثر ويقرأ عليه سورة الفاتحة، ويدفن معه آخر قطعة من الذهب الذي تسبب في مواجهات وصلت بالجميع إلى حافة الهلاك والموت، ويستعيد الشاب الأفغاني صفاءه النفسي، ويواظب على أداء الصلاة التي انقطع عنها، ليؤكد أنه ليس حارساً لمعدن الذهب، بل إن الذهب الحقيقي هو الحفاظ على القيم والمبادئ والتزامه تجاه الإنسانية، من خلال روحه السمحة الموجودة في عقيدته الدينية.
استقبل فيلم (حارس الذهب) بحفاوة، وكان السرد وجماليات الصورة والحقيقة التاريخية المنصفة، من العناصر التي جعلت مجلة (فارايتي) تصفه بأنه (تجربة ممتعة وأخاذة)، وقالت (الغارديان) عنه ( فيلم ويسترون بجودة الذهب)، حيث قدم صورة بانورامية للحياة، مع رسالة بليغة لصراع الإنسان وطمعه، فيما حصد بطله أحمد مالك إعجاباً من مجلة (سكرين دايلي)، بشكله وأدائه المتقن والمتوازن، حيث كتبت (مالك خطف الأنظار في دور حنيف).