«سينماتوغراف» ـ منى حسين
اعتاد الفنان المصري هشام ماجد في غالبية أعماله السينمائية المشاركة في تأليف أفلامه ونسج الحبكة الفنية الخاصة التي يريدها، وتقوم على فكرة من وحي الخيال، تكون معالمها محددة منذ البداية ليكون الجمهور على بيّنة من أنه أمام عمل تتم معالجته بصورة كوميدية تتخللها مجموعة من الأفكار والإسقاطات الاجتماعية.
وفي الفيلم الأخير “حامل اللقب” الذي بدأ عرضه في دور العرض السينمائي في مصر وبعض الدول العربية، قدم ماجد توليفة جديدة تجمع بين الواقع الحقيقي والواقع الافتراضي الذي قدمه بطريقة غلبت عليها روح الفكاهة وترك الجمهور حتى النهاية ليخبره بأن الجزء المثير أو الفانتازي في العمل من صميم خياله وهو نائم بعد أن تعرض لموقف انهالت عليه بعض السيدات بالضرب بسبب سخريته من حملهن، وهو المشهد الوحيد الذي ظهرت فيه الفنانة ويزو.
وكان ماجد يستعين في أفلامه السابقة، تمثيلاً وتأليفاً، بصديقيه أحمد فهمي وشيكو كون الثلاثي نموذجا للتعاون الفني في بداية حياتهم الفنية ضمن لهم نجاحا لافتا، حيث اعتمدوا على لون كوميدي يقوم على الخيال، مثل فيلم “ولاد العم” و”ورقة شفرة”، وعندما انفرط عقدهم لأسباب مختلفة اشتغل كل منهم في أعماله السينمائية والدرامية على نفسه مع التمسك بثيمة الخيال المفرط.
ولم يحل ذهاب كل فنان في طريقه دون الالتقاء ثانيا بينهم، فاللون الذي جرى خطه منذ البداية ظل ملازما لهم، وكان ماجد أقل غزارة فنية من أحمد فهمي وشيكو، وغاب بضعة سنوات إلى أن قدم فيلمه “حامل اللقب” الذي يحكي قصة لاعب كرة قدم في أحد الأندية المصرية يفرض سطوته على الفريق ومدربه، ويبدو هو الآمر الناهي في اختيار التشكيل ويتم التعامل معه على أنه أكثر مهارة فنية من زملائه.
واصلت الفنانة دينا الشربيني طريقها الكوميدي في هذا الفيلم، والذي لعبت فيه دور طبيبة وزوجة ماجد ولم تنجب طفلاً منه وعاشت على هذه الأمنية إلى أن اكتشفت حمل زوجها لطفل في أحشائه بعد فاصل من الارتباكات في نتائج اختبارات الحمل التي جعلتها تتصور أولا أنها هي الحامل، ولم يقدم المخرج هشام فتحي تصورا مقنعا لهذا الحدث أو يتوقف عنده تفسيرا وتحليلا كأنه من الطبيعي أن يحمل الرجل.
وظهر نوع من المبالغة في أداء الشربيني في احتفائها بأن زوجها هو من سينجب لها الطفل المنتظر، وقدمت له كل الدعم ليحافظ على الحمل الذي حاول التخلص منه أكثر من مرة، وتعامل مع الأمر بقدر عال من المرونة والجدية أيضا.
ويمكن تخيل حجم المفارقات التي تصاحب لاعب كرة يذهب للتدريب في هذه الحالة وفي كل المعاملات الحياتية، ووفر مؤلفا الفيلم (هشام ماجد وإيهاب بليبل) جملة من المشاهد التي تثير الضحك بسبب منظر لاعب كرة يخفي حمله على من حوله، ويتصرف بشكل طبيعي كأن شيئا لم يكن.
واستعان المخرج بالممثل محمد سلام الذي يمكن اعتباره البطل الحقيقي للفيلم أو الفنان الذي تحمل الجزء الكبير ليكون العمل كوميديا بحق، والذي مكنته خفة ظله من تقديم وجبة جيدة من الضحك بلا تكلف، ففي جميع المشاهد، وهي كثيرة، التي ظهر فيها سلام قدم أداء رائعا يعبر عن موهبته الفذة التي بدأت تنضج منذ ظهوره اللافت في مسلسل “نيلي وشريهان” مع دنيا سمير غانم قبل نحو أربعة أعوام.
ثبت سلام أقدامه في مجال الكوميديا، لكن سيكون ظالما لنفسه إذا استمر في حصر أدواره في لون واحد يقوم على كوميديا الموقف، كما هو في فيلمه “وقفة رجالة”، لأنه يملك كفاءة فنية عالية يمكن أن تذهب به بعيدا عن دور البطل الثاني وظلاله المتعددة، فدوره كوكيل أعمال ماجد في فيلم “حامل اللقب” احتوى على جرعة ضحك كانت كافية لجذب قطاع كبير من الجمهور لمشاهدة الفيلم.
وظهر العزف على استخدام التورية التي حملها الفيلم مقبولاً باعتباره ينطوي على مفردتين لهما علاقة بالحمل والكرة، ويصعب على الجمهور اكتشاف حقيقتهما قبل مشاهدة الفيلم حتى النهاية، أو تفسير التسمية قبل الوصول إلى حقيقة حمل رجل لطفل بلا مقدمات منطقية.
ولا تحظى الأفلام التي تعتمد على الخيال التقليدي باهتمام الجمهور وإن كانت تثير ضحكه أحيانا، وعند اللجوء إليها من الضروري أن يكون هناك وضوح في الفكرة التي قدمت بطريقة مبهمة وبعد أن جرى كشف أبعادها لم تكن مناسبة للسياق العام الذي يعيشه الناس لأن المبررات التي لجأت إليها غير علمية.
ولا يزال الخيال بضاعة غير رائجة لدى الجمهور العربي لأن الكثير منها يقدم بصورة مبتورة، خاصة إذا تعلق بقضية تمس الرجولة أو الأنوثة تفتقر إلى المقومات التي تمنحها قوة ومتانة فنية وجاذبية، وفي هذا الفيلم حاول ماجد أن يكون خفيف الظل لأقصى درجة غير أن وجود سلام بجواره خطف منه الأضواء.
وحشر الفيلم مجموعة من المشاهد كي تكتمل الملامح في مسألة حمل لاعب كرة متزوج من طبيبة، واستعان بنجوم ونجمات قد تكون مساحة دور كل منهم قصيرة لكنها مؤثرة في السياق الدرامي والكوميدي الذي خطه الفيلم ليقدم وجبة سينمائية تحاول المحافظة على رونقها الفني وتبتعد بها عن المنطقة الرمادية التي دخلها الفيلم بالفعل.
ولعب الفنان أحمد فتحي دور مدرب فريق كرة القدم الذي ينتسب إليه ماجد ويبدو طيعا له في جميع الأمور الفنية معتمدا على ملامح وجهه والتعبيرات التي تظهر السذاجة فيه، وأخفق فتحي في أن يصبح عنصرا جالبا للضحك على غرار الفنان بيومي فؤاد الذي لم يكن مشاركا في هذا الفيلم.
لم تتخل الفنانة دنيا ماهر عن طريقتها في اختلاس الضحك بأي شكل من خلال مواقف كوميدية هامشية، حيث تقوم بدور زوجة سلام التي تنجب له الأطفال باستمرار، ووظفها المخرج للمقارنة بين حال الأسر المتزوجة ولديها غزارة في الأطفال وتلك التي تفتقر لنعمة الإنجاب.
وجاءت المقارنة في مشاهد غير مباشرة لتؤدي الرسالة في قالب كوميدي غير محكم، هكذا ظهر الفنان عماد رشاد في دور الطبيب النفسي، ووالد الشربيني، وزوجته ليلى عزالعرب والدتها، وشكلا إلى حد ما الجانب التراجيدي في الفيلم واقتصرت مساحة الدور على مشهدين تقريبا.
حاول فيلم “حامل اللقب” الجمع بين توليفات عديدة لخدمة فكرة الحمل، فظهر الفنان محمد الكيلاني في دور طبيب نساء وتوليد وهو على علم بحالة ماجد من خلال صداقته بزوجته الشربيني، وجرى الزج ببعض المشاهد التي توحي بأنه على علاقة عاطفية بها، ما تسبب في إثارة الغيرة لدى زوجها، ثم يكتشف الجمهور أنه يعرف قصة الحمل منذ البداية التي حاول ماجد إخفاءها عنه.
وشهد الفيلم مطاً وتطويلاً ليكون مقنعاً للجمهور في الخيط الفني الذي رسمه ماجد بنفسه، ونجح قليلاً في مهمته وفشل كثيراً، لأن خيال المؤلف فاق الخيال نفسه عندما يتم اكتشاف حقيقة الحمل وأنه نتيجة صدمة الضرب التي تعرض لها الرجل من بعض السيدات في أحد المحلات التجارية وأدت به إلى تقمص الشعور بالمعاناة التي يعانين منها في أثناء فترة الحمل، وهي رسالة بدائية حاول الفيلم توصيلها للجمهور.