القاهرة ـ «سينماتوغراف»
عشق المخرج حسين كمال الأدب العربي، ومثلت روايات الأديب إحسان عبد القدوس مصدراً لـ9 من أهم أفلامه، كما قدم “ثرثرة فوق النيل” و”الحب تحت المطر” من عالم نجيب محفوظ، و”نحن لا نزرع الشوك” و”مولد يا دنيا” و”حبيبي دائما” من قصص يوسف السباعي، وكان أول أفلامه “المستحيل” عن رواية للأديب مصطفى محمود.
تنوعت أفلام حسين كمال، الذي ولد في 17 أغسطس 1934، وتوفي يوم 24 مارس 2003، بين الجانبين الفني والتجاري، ولفت الأنظار إليه في الستينيات بأفلامه الأولى “المستحيل” و”البوسطجي”، قبل أن يقدم فيلمين مثيران للجدل في عام 1969، أولهما “شيء من الخوف” الذي كاد يمنع، و”أبي فوق الشجرة” الذي حقق نجاحاً تجارياً كبيراً.
اهتم منذ صغره بالموسيقى والسينما، وعارض والده دراسته للسينما وأجبره على دراسة التجارة، فحصل على دبلوم التجارة المتوسطة، ثم سافر إلى فرنسا ودرس الإخراج السينمائي.
عندما تم افتتاح التلفزيون المصري في بداية الستينيات، التحق حسين كمال به ليعمل مخرجاً لبرامجه وحلقاته التلفزيونية، قبل أن يتجه للسينما.
في فيلم “شيء من الخوف” (1969)، يفرض عتريس (الفنان محمود مرسي) سيطرته على القرية، ويتزوج من فؤادة (شادية) رغما عنها، فيتصدى له الشيخ إبراهيم، ليقتل عتريس ابنه، وتثور القرية ضد الحاكم الظالم في مشهد ملحمي خالد، ويهتفون “جواز عتريس من فؤادة باطل”. فهل حقاً قصد صانعو الفيلم رئيس الجمهورية بشخصية “عتريس”؟
يقول حسين كمال إنه عندما كان يكتب الفيلم، كان يدرك وجميع صناعه أنهم يدخلون منطقة وعرة وخطرة جداً، “ولكن كان لا بد أن نصنع هذا الفيلم ولو كان الثمن هو السجن. كان لا بد أن يكون هناك من يقول لا في مجتمع الهزيمة والرضوخ”.
ويعلق الروائي مصطفى خليفة أن الفيلم لم يكن يعرض لو تمت صناعته قبل النكسة، لكن بعد الهزيمة التي حدثت وأثرت على جبروت عبد الناصر، سمح للفيلم بالعرض.
وإذا كان كمال قد قصد أو لم يقصد فعلاً الإسقاط السياسي في “شيء من الخوف”، فقد عاد بعد عقد من الزمان وقدم فيلماً مباشراً ينتقد بقسوة النظام البوليسي القمعي في عهد عبد الناصر في فيلم “إحنا بتوع الأتوبيس” (1979)، حين تقود المصادفة اثنين من ركاب حافلة مواصلات عامة هما جابر (عادل إمام) ومرزوق (عبد المنعم مدبولي) ليصيرا ضمن مجموعة من المعتقلين السياسيين، ليواجها آلة القمع التي لا ترحم.
وكان فيلم “أبي فوق الشجرة” التحدي الذي قرر حسين كمال أن يخوضه، حيث يرى أن الناس تقول قبله إنه لا يصنع فيلماً ناجحاً، فكان الرد بهذا الفيلم، والذي طور به كمال الأغنية المصرية (كما يقول في حوار صحفي)، وجسد بطولته العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في آخر أفلامه السينمائية، وجاء الفيلم جريئاً مثيراً للجدل.
يقول كمال إن الفن نوعان، الفن التجريبي والفن الكبير (الاسم الذي يطلقه على السينما التجارية)، وإنه يقدم فناً يخاطب الناس، في شعب أغلبه لا يقرأ، “أنا أعتقد أن الفن التجريبي ضروري جداً، ولا بد أن يوجد من يصنعه، ولكن اخترت أن أصنع الفن الكبير”.
ويؤكد كمال أنه لم يصنع الفيلم الذي يخجل منه، ربما كانت هناك أفلاماً رديئة صنعها، لكنه لا يخجل منها.
وفي “إمبراطورية ميم” (1972)، يقدم حسين كمال شخصية الأم العاملة منى (فاتن حمامة) التي تحاول أن توازن بين عملها ورعايتها لأبنائها الستة ومشاعرها تجاه رجل الأعمال أحمد رأفت (أحمد مظهر)، وتصطدم بمشاعر أولادها وطموحاتهم المختلفة، حتى أنهم قرروا إجراء انتخابات داخل المنزل لتعيين رئيس لهم.
وفي المسرح أخرج كمال عدداً من الأعمال المسرحية الخالدة، التي لا يمل الجمهور من مشاهدتها، وأبرزها مسرحية “ريا وسكينة”، والتي أقنع الفنانة شادية بتقديمها لتكون عملها المسرحي الوحيد والأخير، كما قدم “الواد سيد الشغال” مع عادل إمام، و”عشان خاطر عيونك” مع فؤاد المهندس.
كانت آخر أعماله السينمائية فيلم “ديك البرابر” من بطولة نبيلة عبيد عام 1992، وقدم آخر مسلسلاته التلفزيونية مع آثار الحكيم في “نحن لا نزرع الشوك” عام 1998.
اختار حسين كمال أن يخاطب البسطاء من عامة الشعب، لكنه لم يستطع أن يحقق النجاح العالمي أو يقدم أفلامه في المهرجانات الدولية كما فعل يوسف شاهين مثلاً.
انتقد حسين كمال سينما يوسف شاهين، لأنه لا يصنع أفلاما للناس، وأفلامه لا تستمر طويلاً في دور العرض، فهي أفلام ذاتية تخص المخرج نفسه، وسعيه للعالمية تشغله عن البسطاء، رغم أنه يعد من كبار مخرجي العالم، لكنه يلومه أنه يتعالى على الناس، على حد تعبيره.
ويضيف كمال -في تصريحات تلفزيونية- أن شاهين لا يضع في اعتباره الجماهير العريضة، وأن الجمهور البسيط يحتاج ليوسف شاهين الفنان العظيم، ويقول عن نفسه إن حسين كمال عندما يصنع فيلماً مصرياً أصيلا فهو فنان عالمي، “كلما كنت أصيلاً في بلدك، كلما صرت عالمياً”، وأن تسويق الفن يحتاج إلى علاقات عامة ومؤسسات ذكاء وشطارة، مثلما فعل شاهين.