الجزائر ـ «سينماتوغراف»
تم اليوم الخميس بقاعة ابن خلدون، بالجزائر العاصمة، تقديم العرض الشرفي أمام الصحافة للفيلم الروائي الطويل “حليم الرعد” لمخرجه الشاب بن عبد الله محمد، ويتناول بجمالية عالية وحساسية مفعمة معاناة الأطفال المصابين بـ “التوحد” في المجتمع الذي يرفض تقبلهم ويتنمر عليهم ما يؤثر سلبيا عليهم وعلى ذويهم.
يأخذ المخرج بن عبد الله محمد في هذا العمل الروائي الاول له بعد ثلاثة أفلام قصيرة وهي “برمودا” و “سأخبر الله بكل شيء” و “ذهينيز”، الجمهور الى نموذج ليوميات الاطفال المصابين بـ “التوحد” التي تتسم بنظرة المجتمع السلبية والتنمر والإحتقار الذي يتعرضون له رغم أنهم يعانون في صمت، كما يعرج على معاناة المرأة التي تعيل ابنها الوحيد المصاب وسط مجتمع يحترم القوي ويعتدي على الضعيف.
وتدور أحداث الفيلم الذي يندرج ضمن خانة الدراما الإجتماعية، على مدار 100 دقيقة ويغوص في يوميات حليم صاحب 25 عاماً وهو مصاب بالتوحد ويعيش رفقة والدته الأرملة في شقة متواضعة بالمدينة حيث اعتاد البقاء لساعات طويلة ملتصقا بشاشة التلفاز لمشاهدة رسوم متحركة “المانجا” غير مدرك لما يدور من حوله ومنغمس في عالمه الخاص ولكنه حساس ويسعى دائما أن يكون مثل قدوته, شخصية الرسوم المتحركة “هزيم الرعد” ليحمي كل الضعفاء.
وتستمر معاناة بطل الفيلم “حليم” الذي أبدع في اداءه الممثل الشاب أنس تناح، عند خروجه للعب خارج المنزل يعاني من تنمر الصغار والكبار على حد سواء لجهلهم طبيعة مرضه كما أنه يرفض أن يصبح رجلا ويفضل اللعب مع الأطفال الذين يعتبرهم أصدقاء لكنهم لا يبادلونه نفس الشعور ويتنمرون عليه ويضربونه.
كما سلط المخرج الموهوب كاميراته على معاناة والدة حليم التي برعت في تقمص دورها الممثلة دليلة نوار، بعد كل ما يسبب لها من مشاكل مع الجيران وأبناء الحي وهو يدافع عن نفسه, حيث بدورها تعمل منظفة وتتعرض للتحرش من طرف مسؤولها لكنها ترفض الإذعان لنزواته ما تسبب في فقدانها لمنصب عملها حيث تتفاقم الهموم على هذه المرأة التي تتلاشى كلما شاهدت علامات الضرب المبرح على ابنها الذي يتعرض له في الشارع وفي الملعب وحتى امام باب شقتها.
ومن خلال تواتر الأحداث تنعكس رؤية المجتمع لمعالجة مرض التوحد السطحية حيث تشير جارة والدته بأخذه إلى الراقي لمعالجته لكنه يتعرض للضرب المبرح، لتتقبل والدته في الأخير فكرة عرضه على الطبيب النفسي لمعالجته. يلتقي حليم في العيادة مع فتاة شابة تعاني من التوحد أيضا ويقع في حبها، لكن يكتشف أنها تتعرض للاعتداء الجنسي من طرف زوج والدتها ليندفع و يقتله و يدخل في حالة عنف وينفذ سلسلة جرائم انتقاما من جاره الذي إعتدى عليه جنسياً أيضاً حين كان طفلاً و كل من اعتدى عليه و ضربه.
ويعكس فيلم “حليم الرعد” وهو من إنتاج مؤسسة “ميسان” للسينمائي يحي مزاحم وتوزيع شركة “م دي سيني” دلالات إجتماعية وضرورة تغيير نظرة المجتمع في كيفية التعامل مع المصابين بالتوحد في حين نجح فعلا المخرج عبد الله محمد في تقديم عمل محترم من الناحية التقنية الى جانب تحكمه الكبير في إدارة الممثلين.
وحرص منتج الفيلم يحيى مزاحم كما اكده في لقاء صحفي عقب العرض، على تقديم عمل انساني مبني على احداث مستمدة من الواقع مبرزا أنه “فيلم بتمويل مستقل تم إنجازه بميزانية شبه منعدمة ولم نسعى للبحث عن التمويل والدعم المادي لأن الهدف هو تشجيع إنتاج أصحاب المشاريع السينمائية الشباب وتمكينهم من عرض أفلامهم عبر القاعات وإيصال صوتهم للجمهور, كما ينبه الفيلم لوضعية المصابين بالإعاقة والمرأة في المجتمع”.
من جهته استعرض المخرج بن عبد الله محمد، ظروف تصوير الفيلم بمدينة سيدي بلعباس واختيار طاقم التمثيل لافتا أن العمل “مستوحى من الواقع ويطرح قضية هامة ويسائل المجتمع حول سلوكاته مع المصابين بالتوحد كما ينبه للمخاطر التي يتعرض لها المتوحد من اعتداءات جنسية و عنف, ليدفع المجتمع للتفكير بجدية لإعادة النظر في تعامله مع هذه الفئة الحساسة البريئة”.
بدوره أكد بطل الفيلم الممثل أنس تناح (دور حليم)، أنه جد سعيد بهذه لتجربة السينمائية التي تمت تحت إدارة المخرج البارع الذي وثق في قدراته الإبداعية مبرزا أنه “تقمص الشخصية ولبس أدق تفاصليها وكان يعاني من تبعات أداءها على المستوى النفسي بسبب الشحنات العاطفية التي تميز بنية الشخصية التي عانت الكثير بسبب إعاقتها الذهنية”.
وذكر يحي مزاحم، أن الفيلم سيتم توزيعه من طرف مؤسسة “م دي سيني” على مستوى القاعات وطنياً بداية من 12 مايو المقبل على غرار قاعة ابن خلدون وقاعة ابن زيدون بالعاصمة وقاعة المغرب بوهران و قاعة أحمد باي بقسنطينة.