خالد الصديق في حوار قبل وفاته: وصيتي أن تدفن معي سيناريوهات أفلامي التي لم أنفذها

حاوره ــ أسامة عسل

في منطقة الخليج يوجد الكثير من آبار البترول وناطحات السحاب، وآلاف الشركات والمؤسسات، ومئات التجارب والمحاولات لأجيال سينمائية عبر مدار ما يقارب الأربعين عاماً لصنع فيلم خليجي، ولكن حتى الآن لا يوجد إلا خالد الصديق واحد، الذي استطاع أن يدخل الكويت والخليج إلى ذاكرة السينما العالمية من خلال فيلمه الرائع «بس يا بحر».

وبمناسبة تكريمه في الدورة الثانية لمهرجان الخليج السينمائي عام 2009 كان معه هذا الحوار، حيث جاءت إطلالته من خلال لقائه مع «سينماتوغراف»، ليكون ناقلاً لخبراته، راصداً لما هو موجود علي أرض الواقع، ومواجها بقوة لتغيرات حدثت، صادماً بعنف من خلال كلماته للبعض، وكما أثارت أعماله الكثير من الانبهار والدهشة، من المؤكد سوف يثير حواره هذا حفيظة الجميع بعد وفاته اليوم، إما موافقاً أو رافضاً لآرائه، وفيما يلي تفاصيل استعادة هذا اللقاء، الذي يعكس صوره حالية لم يحدث في السينما الخليجية على أرض الواقع:

ـ هل تعتقد أن السينما الخليجية يمكن أن يكون لها مردود مادي؟

للأسف ليست هناك ثقة في صناعة السينما الخليجية، كما أن الجهات الحكومية والمؤسسات الخاصة مازالت تتخوف من الاستثمار في تقديم الأفلام الروائية الطويلة، والتي تحتاج بالفعل إلي مجازفة، ومع مرور الزمن سوف يأتي المردود المادي الذي يلغي هذا التردد، وأعترف بأن هذا المناخ كارثة.

ولو تحدثت عن نفسي من خلال تجربة فيلم «بس يا بحر» الذي قدمته منذ أكثر من أربعين عاماً، فقد تعرضت للعديد من المآسي لإنتاجه، ولم تكن هناك قناعة من المجتمع الكويتي (الحكومي والأفراد) للإقدام على مغامرة من هذا النوع، وبصعوبة جداً بعت كل ما أملك من أجل تنفيذه، ثم عندما حقق نجاحاً مادياً وضعت عائده بكاملة في إنتاج فيلم آخر هو «عرس الزين»، وهكذا يمكن للعجلة أن تدور، وبالتالي أفضل أن يقوم المخرج بإنتاج أعماله حتى لا يتدخل المستثمر في العمل ويوجه إلي المنحى التجاري.

ـ الوقت الطويل يجعل المستثمر يبحث عن الربح السريع.. فبماذا تنصح؟

إذا أردنا قيام صناعة سينما في المنطقة، على الجميع أن يدرك أهمية الوقت ولا ينتظر بعد يوم أو سنة مردوداً مادياً، الموضوع برمته يحتاج إلى وعي وتكاتف وتعاون وبال طويل، فنحن نؤسس لصناعة لها مفرداتها وعناصرها المفقودة تماما في الخليج، لكن من المؤكد لها ربحها مع الوقت الطويل.

ـ هل تريد دخول الحكومات في مجال الاستثمار السينمائي؟

لا أتمنى أن تكون هناك مؤسسة لأي دولة خليجية تمول الأفلام، معنى ذلك أنهم سيتدخلون في موضوعاتها وسيوجهونها بطريقتهم، وهذه مصيبة، ولدي قناعتي بأن أي عمل جيد سيجد سوقاً في أي مكان بالعالم وسيحقق إيرادات مالية، ومثال ذلك تجربة «بس يا بحر» التي أعتبرها فريدة وغريبة من نوعها، حتى يستفيد منها الجميع وخصوصاً السينمائيين، فعندما أصبح الفيلم جاهزاً قدمته لعدة شركات توزيع في الوطن العربي ورفضوه جميعاً لعدم وجود نجوم فيه، ودخلت به في أكثر من مهرجان وحقق نجاحاً مدوياً، وعادت الشركات التي رفضته للبحث عنه لعرضه والترويج له، ومازال حتى الآن يعرض من حين لآخر في أماكن مختلفة من العالم.

ـ وما المطلوب حتى نكرر تجربة «بس يا بحر»؟

أن لا تقلد الأفلام الخليجية الأعمال الغربية أو الهندية أو العربية، ولا تدور في فلك النمطي مما سبقنا إليه آخرين وبرعوا فيه، فلابد أن نقدم صورة خليجية تبهر العالم وتلفت الأنظار، حتى تكسب أفلامنا وتعيش وتستمر.

ـ «بس يا بحر» كان تجربة من الواقع في مرحلة ما، ومازال الشباب السينمائي الحالي ينقبون في أعمالهم عن هذا الموروث، دون التعرض لمناقشة قضايا حيوية للمجتمع الحالي، هل ترى أن هذه الأعمال يمكن لها أن تحقق نتيجة ؟

كنت أتمنى أن تظهر أعمال سينمائية على نفس مسار «بس يا بحر» ليس كموضوع فقط، وإنما كتكنيك سينما مميزة، وهناك موضوعات هامة مثل ما بعد النفط، فمن وجهة نظري لم يتم عمل فيلم يستطيع أن يرصد هذه المرحلة، ويجد قبولا عالميا للطرح، وبالتالي أنا مع مقولة «العالمية تعني الإغراق في المحلية».

ـ هل تتابع أعمال الجيل الخليجي الجديد؟ وما رأيك فيها؟

ليس كثيراً، لكنها أفلام مؤسفة ومخجلة، وقد يكون ما لم أشاهده جيداً، لكن ما تابعته من أفلام كويتية وإماراتية وسعودية كارثة في كل شيء، كتابة السيناريو والتمثيل والتنفيذ والإخراج أيضاً، وهناك فيلم شاهدته «دي في دي» 16 مرة بالسرعة العالية والخيالية ومليت منه، وانتقد هذا الشيء لصالح الشباب وأقول لهم عيب أن تظهر مثل تلك المحاولات.

ـ ما رأيك في تعبير أن المهرجانات في الخليج هي التي تدفع لصناعة السينما وليس العكس؟

طبعا، من خلال المهرجانات تظهر المواهب، وأنا واحد من الناس أظهرته المهرجانات، ولولاها لكان فيلم «بس يا بحر» في عالم النسيان.

ـ وبعينك الخبيرة من أي مكان يمكن أن يظهر فيلم خليجي مقبل بمستوى أعمالك؟

أرى أن هناك حركة قوية في دبي، أكثر من أي مكان آخر، على الصعيدين الروائي الطويل والقصير، والسينما الخليجية المقبلة تتبلور من هنا.

ـ هل تجد حرية في تناول الجيل الحالي لموضوعاته؟ وهل تشكل الرقابة عنصر حد للإبداع في المستقبل؟

الحرية في الخليج تختلف من دولة إلى أخرى، وعلى سبيل المثال كل يوم في الكويت تصعب العملية وتصل لكارثة، فهناك رقابة من نوع آخر في مجلس الأمة، ممثلينا الذين اخترناهم بديمقراطية يفرضون علينا رقابة أقصى من الدولة لمكاسب دعائية، وأرى أن الرقابة وجدت من خلال أنظمة ديكتاتورية، وإذا كنا فعلاً دولة ديمقراطية فلابد أن تلغى هذه الرقابة التي أصبحت تتدخل بالمنع، وطوال عمري لا أقدم أفلامي للرقابة، لأن لدي رقابتي الذاتية.

ـ وماذا تفعل إذا تعرضت لهذا النوع من الرقابة؟

أفضل أن لا أعمل وأجلس في البيت، ولا أدخل في متاهات من هذا النوع، وأوفر وقتي ومجهودي في الإبداع الفكري حتى لا يهان بهذه الطريقة.

ـ بعد غياب سنوات طويلة على تنفيذك لفيلم «شاهين» لم يظهر هذا العمل إلى الآن لماذا؟ وما الذي ينقصه؟

ينقص الفيلم المادة أولاً، لأنه إثناء الاحتلال العراقي لدولة الكويت، نهب ودمر الاستديو الخاص بي، وهناك نيجاتيف للفيلم في لندن يشكل 80% من العمل، والباقي ممكن تدبيره من خلال خدع أو إعادة تصوير.

وانتظر رأس المال، وخصوصاً التعويضات التي أتوقعها بمفاوضات مع لجنة الأمم المتحدة في جنيف بسويسرا، أو تعاون وشراكة مع أي أحد، ورغم أن انه نفذ في عام 89 لكن موضوعه لم يحرق ولن يصبح قديما، لأنه يتحدث عن رحلة القوافل التجارية في عصر النهضة على خط الحرير.

ـ خلاف فيلم «شاهين» هل لديك سيناريوهات لأعمال أخرى؟

نعم لدي خمسة سيناريوهات جاهزة بالفعل للخليج وخارجه، ويكفي أن أقول لك إن كتابة السيناريو تحتاج إلى وقت طويل، ونحن في العالم العربي نحب السرعة والاستسهال، وأعشق كتابة سيناريو الأفلام التي تعتمد على الصورة أكثر من الحوار، وكان لي فيلم عملته عام 68 بعنوان «وجوه الليل».

ولم يكن به سوى كلمة حوار واحدة والباقي اعتمد على عدسة الكاميرا، ولذلك أرى أن جملة حوار لا تأخذ ثواني، أما الصورة فتحتاج إلي وقت طويل، ولا أثق في أحد غيري لتنفيذ هذه الأفلام، ولا أبيعها بملايين الدولارات، وهناك وصية سوف أتركها، ومن المحتمل أن تدفن معي، وإذا لم أنفذها أنا ستبقى هذه السيناريوهات إما حبيسة الأدراج أو حبيسة القبر.

Exit mobile version