لأول مرة في تاريخ مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يقترح بعض الصحفيين أن ننسحب جميعاً من حفل الافتتاح وبالفعل انسحب نفر منهم.
ولأول مرة في تاريخ المهرجان تبدأ مراسم الحفل بعد أكثر من ساعتين ونصف عن المكتوب في بطاقة الدعوة.. فبدلاً من الساعة السابعة بدأ في التاسعة وأربعين دقيقة!
ولأول مرة بعد 39 دورة يعامل الصحفيون بهذا القدر من الاستهانة ويعزلون في أبعد المقاعد وبدرجة جعلت الفرجة مزعجة بسبب بعد المسافة عن المسرح.
ولأول مرة تبدو الصالة أسفل البلكون خالية بدرجة لافتة ومحزنة وعلي نحو جعل البعض يتندر ويتساءل ويعلن عن إستيائه الشديد ثم ينفجر الجمع في التصفيق تعبيراً عن الاجتماع والغضب .
والأكثر إثارة للدهشه من كل ما سبق أن “وقائع” المهرجان بدأت بالفعل من دون علم جميع المنتظرين داخل صالة الاحتفالات حيث تم تخصيص “باب” آخر لدخول الفنانين المدعوين غير الباب الذي دخلنا منه كجمهور وصحفيين وهذا الباب “الآخر” لن نلتفت إليه فلم نر السجادة الحمراء ولم نشاهد “موكب” الفنانين أثناء دخولهم. ولم يلفت نظرنا هرولة جموع الإعلاميين المصورين بكاميراتهم كالعادة .
وعندما استبد بنا الملل من طول الانتظار داخل القاعة الفاخرة الخالية التي يعقد فيها المهرجان لجأنا إلي التليفونات المحمولة للثرثرة مع الزملاء والاصدقاء ففوجئنا أنهم يتابعون “حفل” الافتتاح علي شاشة التليفزيون ويصفون ما يتم بثه من لقاءات مع الفنانين أثناء دخولهم من ذلك “الباب” الآخر الذي لم نره وعلي السجادة الخاصة التي لم تكن للناس وإنما فقط “للأكابر” من أهل الفن في سابقة لم تحدث في أي مهرجان في الدنيا.. فلم نشهد من قبل هذه الإزدواجية الغريبة والعجيبة التي تفصل بين المدعوين والصحفيين وبين اصحاب المعالي “النجوم” وأن يبث الحفل علي شاشة تلفزيونية يراها الناس في البيوت وكأن الحفل كان مجرد خلفية لبرنامج تلفزيوني خاص لقناة “Dmc” التي عرفنا أنها الراعية للحفل وأنها هي المسئولة عن توزيع التذاكر وفق “الخريطة” “الفئوية” التي اتسمت بتمييز معيب.
ثم اكتملت الصورة مع عرض فيلم الافتتاح “جبل بيننا” للمخرج هاني أبو أسعد الذي أوقف العرض بعد دقائق من بدايته عندما وجد أن فيلمه يعرض في ظروف تقنية “مهينة” أيضاً بسبب سوء ماكينة العرض وسوء الصوت. وسوء الأصوات والأضواء الصادرة والمنبعثة من خلف المسرح مع غياب النسبة الأكبر من الجمهور وذلك بعد انتهاء “المراسم” داخل الصالة وانصراف معظم المدعوين دون الاهتمام بالفرجة علي الفيلم.
ولو كان هناك من يرصد تعليقات الصحفيين ومن شاء حظهم أن يشاهدوا الحفل “لايف” Live أو ولو أن ثمة فرصة لمتابعة ماتم تصويره بكاميرات المحمول الخاصة من داخل القاعة اثناء الانتظار الطويل إذن لفوجئوا بأننا كنا في حضرة “افتتاح” غير مسبوق وحدث موصوم بحالة فصام نادرة وقد تم “تصميمه” وفق خطين متوازيين أو بالأحري صورتين. واحدة باهتة وفارغة بلا زخم احتفالي جماهيري وبلا صخب فني ومن دون فلاشات وفي غياب إعلاميين وبحضور عدد من المحررين والصحفيين ظلوا هم آخر من يعلم بمجريات الأمور وصورة لحفل آخر مواز علي شاشة التليفزيون يتابعه الناس في الداخل والخارج.. وصورة ثالثة لوقائع حفل بدأ متأخرا جدا لم يسقط بالكامل في هوة الفشل بفضل حضور أصحاب التكريمات العديدة لعدد الفنانين الكبار المحبوبين وعلي رأسهم الفنانة شادية شفاها الله وعفاها..
لقد عرف هذا المهرجان الدولي السينمائي الذي يحمل اسم “القاهرة” نوبات من الصعود والهبوط ولكنه لم يصل الي هذه الدرجة من التراجع مثلما حدث في الدورة التاسعة والثلاثين.
شارك في دوراته أعداد كبيرة من النجوم العالميين فعلا في مجال التمثيل والاخراج ولم يكن هكذا خاليا منهم كما في هذه الدورة التي شرفتنا فيها الممثلة البريطانية ليزهيرلي “موليد 65” التي اشتهرت كنجمة إعلانات أكثر منها كممثلة سينمائية ولا يكفي وجودها لصنع البريق الذي يدعم المهرجان.
لقد فقد المهرجان جانبا أصيلاً في “شخصيته” عندما انتقل حفل الافتتاح إلي “التجمع الخامس” رغم الأبهة والأناقة التي ميزت قاعة الاحتفالات.
كانت “الأوبرا” والمسرح الكبير علامة بارزة في قسماته الفنية وجزءاً أصيلاً في هذه “الاحتفالية” مرتبطاً بالأجواء الثقافية والفنية الخاصة التي يشيعها هذا المبني.. بنشاطاته وتاريخه ودوره الفني.
كثير من المناقشات والحوارات الجانبية التي تناولت وقائع المهرجان في دورته الحالية مال إلي عقد مقارنة بين مهرجان “الجونة” الخاص والمحدود والمملوك لنفر من أكبر أغنياء هذا الوطن وأكثرهم التفاتاً إلي دور الثقافة والفن في تلميع “المال” والإرتقاء باصحاب رءوس الأموال. ولعل الصفه الوحيدة المشتركة هي نزعة “التمييز” التي بدأها “الجونة” ورأينا ظلالاً منها في الدورة الـ39 لمهرجان القاهرة !.