خيرية البشلاوي تكتب: «الخلية» فيلم ترفيهي بامتياز

 

ـ خيرية البشلاوي 

“سيف” في فيلم “الخلية” أشبه “برامبو”.. مع فارق الوسامة أو ضابط في “المباحث الفيدرالية” أو واحد في فرقة “أوشن 13” بالجاذبية الطاغية للممثل جعلته نجماً جماهيرياً فائق النجاح علي الأقل في هذا الفيلم. وهو كشاب أعزب وممثل حركة جيد. ويمتلك لياقة جسمانية تؤهله لعمل يعتمد علي قوة السرعة في الأداء ويجعلنا نتفاعل أو لا نلتفت لمضمون الشخصية التي تستمر في الحياة الدنيوية التي تبدو ميسورة جداً مادياً ويعيش في بيت أنيق بلا أسرة ويصادق كلبه الفريد “ليو” الذي لابد أنه يتكلف مبلغاً كبيراً للإعاشة وبالإضافة للعناية الخاصة التي يحتاجها أنه مع كل ذلك الثراء شديد الاندفاع والتهور ولديه ايمان مطلق بالعنف العضلي يجافي التفكير العقلاني. وبالتالي يرفض أسلوب زميله “صابر ـ محمد ممدوح” ضابط أمن الدولة الذي يعنفه علي منطقه في التعامل مع المجرمين.

واللافت أن الفيلم ينحاز إلي قناعات “سيف” وإن لم يرفض “صابر” الذي يقتنع أخيراً بما يحققه زميله رغم الخسائر التي يتكبدها هو شخصيا من جراء تهوره واندفاعه وإصراره علي الأخذ بثأر زميله “أحمد صفوت” الذي إغتاله أحد الارهابيين في الخلية المطلوب تصفيتها.

عموماً لا اعتراض ولا مانع من تقديم “نموذج” “سيف” بهذا المضمون السينمائي المبالغ فيه إلي حد عدم التصديق. ودعونا نصرف النظر عن أهمية بناء الوعي السليم بدور وصورة رجل المهمات الصعبة. فالجمهور في الصالة بلغ من انسجامه وتفاعله مع الشخصية درجة ملموسة من الحماس تنقلها ردود أفعاله المدهشة والمسموعة بقوة في مواقف تثير الضحك. وأخري تسحب الأنفاس. وثالثة تشحذ درجة التوقع والتشويق والخوف أيضا مما سوف يجره الإقتتال بين الضابط والإرهابي بما يملكه من متفجرات يضعها داخل مترو.

“الخلية” فيلم ترفيهي بامتياز ولكنه يضع الترفيه في خدمة القضية الوطنية حتي لو طغت عليه عناصر الصخب ولغة البنادق ولهب الحرائق وأصوات المفرقعات.. انه “فيلم حركة” أكشن نموذجي مصمم وفق “الباترون” الأمريكي الخاص بهذه النوعية وليس في هذا أي إنتقاص من قيمته كعمل تجاري ترفيهي جيد الصنعة وناجح جماهيريا باكتساح.

المخرج “طارق العريان” صانع فيلم فصيح يختار طاقم ممثليه بذكاء واضح. وهو كصاحب مشروع تجاري يوازن في اختياراته بين “الأسعار” من دون أن يخاطر بالمردود الفني لكل عنصر. والسيناريو الذي يعتمد عليه الفيلم “صلاح الجهيني” يوزع الأثقال الدرامية داخل الحبكة بمعيار حساس ودقيق ومن ثم نجد العناصر النسائية تحتل منطقة الهوامش. مجرد إناث يلعبن دور ست البيت أو الفتاة موضوع القصة الرومانسية العابرة وذلك بغرض التلطيف والتليين واخلاء مكان “للرومانسية” وسط شحنات الخشونة الذكورية المفرطة والعنف المبالغ فيه دون تعادل درامي موضوعي متوازن.

“أمينة خليل” التي علا نجمها بفضل مسلسل “جراند أوتيل” لن تحلق بعيداً عن السقف الذي وصلت إليه. ربما تتراجع بسبب خواء الشخصية وفرضها فرضاً علي الأحداث وقد يكون من المفيد “علي صعيد التوزيع” أن يتضمن الفيلم ممثلة تونسية لطيفة بوجه مريح “عائشة بن أحمد” في دور عابر وضعيف أو أخري “ميرهان حسيب” لا تتذكرها حتي وأنت تحاول استرجاع شريط الفيلم. وقد يخدم “المشروع” أيضاً ممثل سوري قوي الحضور ويعرفه الجمهور هنا من خلال مسلسلات ظريفة وقوية مثل “باب الحارة” و”الزير سالم” واشير إلي سامر المصري الذي لعب دور الإرهابي الذي يتخذ الارهاب المتأسلم وسيلة لتحقيق الذات وكذلك مساعده “أحمد صلاح حسني” الذي أصبح يعي جوهر ما يسعي اليه رئيسه “الارهابي” مروان البعيد جدا عن الهدف الديني وعن الدين والاسلام كمعظم “المجاهدين”.

“ميكانيزم” الإجهاز علي إهتمام المتفرج من المهارات التي تجبر أعمال هذا المخرج. الذي يعرف كيف يصطاد الجمهور بسلاح القوة الناعمة “الفيلم” وكيف يقبض علي المتفرج ويبقيه مبحلقاً في الشاشة أمامه ويستمتع ويتابع بشوق مجري إتجاه الأحداث بغض النظر عن الموضوع الذي يعالجه. فالتشويق والاثارة تكمن في كيفية توليد الصراع وإدارته فوق أرض من صفيح ساخن. وفي “الخلية” يظل الصراع المحتدم والآتي ممثلا في المؤسسة الأمنية “قوات خاصة وأمن دولة” من ناحية وبين أحد الخلايا الإرهابية “مروان ومساعدوه” أو “يوسف و؟؟” اسماء لها دلالة والاثنان يسعيان لنفس الغاية بأسلوبين متضادين وقد يكونا متوازيان ولكنهما يلتقيان عند نقطة الهدف الواحد “دحر الإرهاب” والممثلان “أحمد عز ومحمد ممدوح” يستوعبان طبيعة اللغة التعبيرية في جماليات الحركة “الأكشن”.

وكل ممثل يستخدم لغة جريئة “لغة الجسد” لها طبيعتها المتفردة ولكل منهما أسلوب حياته المختلفة.

ومن وجهة نظري يظل “صابر” علي مستوي التشخيص أكثر واقعية ومنطقية من “سيف” ولكن الأخير “نجم” ويمتلك الجاذبية والصخب وامتلاك ناصية الحركة والاندفاع والسباق مع “الريح” نراه يقفز من أعلي الكوبري فوق السيارة اللوري ويدخل في معارك دامية ويخرج سليماً بعد ممارسة تدريبات خاصة فضلاً عن أنه خفيف الظل ولديه كاريزما ومراوغ وصاحب نكتة انه الحصان الرابح في مشروع الفيلم.

المبارزة بين الزميلين “سيف” و”ناصر” أي بين الأعزب المهياص الذي يمتطي الكلب ويعازل النساء علي طريقته وعلي طريقته أيضاً وحسب مفهومه عن أسلوب سحق العدو بينه وبين ناصر الذي يعتمد علي العلم والمعلومة ويخضع عملية الوصول إلي النصر للأسلوب العلمي. بين الاثنين ومن خلال حوار فطن وخفيف الظل يناسب طبيعة كل منهما تتولد كمية من الضحك مرة من فرط اللامبالاة بنتائج ما يقوم به ومن هوس الاندفاع بسيارة تتحطم أجزاؤها علي الطريق حتي تصبح حطاماً بسبب الصدامات مع السيارات المارة ومرة من خفة التعليقات المتبادلة بين رجل أعزب وبلا أسرة وزوج استعار سيارة زوجته لأداء مهمة رسمية.

أحياناً كنت أشعر بمنتهي الدهشة وأكاد أسأل “شلة الشباب حولي” “انتو بتضحكوا علي ايه؟؟” ولكن هناك الفارق الأكبر بين متفرج ذهب ليسلم حواسه للشاشة ويسترخي علي مقعده دون طرح أسئلة تكسر حالة الاندماج وبين “ناقد” يفتش عن أسباب تفوق الفيلم وما يعاني منه فنياً.

تفاصيل كثيرة يحتويها الفيلم تجافي التفكير وتدحض المنطق وأسباب أخري لا يمكن دحضدها أو إغفالها باعتبارها حقائق واضحة الدلالة أولها أن فيلم “الخلية” حقق ومازال يحقق إيرادات كبيرة تعني نجاحه جماهيرياً.

وثانياً أنه يحمل بنية طيبة تنطوي علي رسالة وطنية تنظر لجهاز الشرطة وللمهمات الأمنية الخاصة والخطيرة بعين الاعتبار والتقدير وتؤكد أن الجهاز قادر علي مواجهة التحديات التي تفرضها مرحلة الحرب ضد الإرهاب التي تعيشها المنطقة ومصر بصفة أخص.

وعلي خلاف التيار التجاري السائد يخلو الفيلم من الاسفاف اللفظي ومن صور الابتذال الحسي بالإضافة إلي أنه عمل نفذ بعين تطل علي المساحات الايجابية في مسيرة الشعب المصري ولا يبحث عن فتح الشوارع وهمجية العشوائيات أو الراقصة الفلانية والمطرب الشعبي الفلاني لكي تبرزها ويتاجر بها.

“الخلية” في المحصلة الأخيرة يشهد لصناعه بالتفوق كل واحد في مجاله: الإخراج “طارق العريان” كصانع ودارس لفنون الفن وحساس يعرف آلية التأثير علي المتفرج ويتعامل مع وسيط الفيلم بلغة تعتبر فنية لها أصول وتقنيات أصبحت متطورة وتزداد تعقيداً وقد اختار نوعية فيلم “الحركة” “الاكشن” التي لا يتحقق تأثيرها إلا بالقدرة علي خلق ايقاع نشيط ومتسارع ومشبع بالحركة المحسوبة ومن هنا أهمية عنصر المونتاج الخلاق الذي يضاهي أنفاس المتابع اللاهث وراء المعارك والمطاردات والقفز من الأماكن العالية وأحياناً من ناطحات السحاب أو من الجبال والطائرات وفي وسط الاعاصير والفيضانات وكل ما تأتي به الطبيعة في صياحها وغضبها أو طبيعة الأمور البشرية في صراعها من أجل البقاء سواء في ساحات الحروب أو في دنيا البلطجة والبلطجية أو في الصراعات البوليسية التي تؤجج لغة المسدس والبندقية وحقائب المواد الناسفة إلخ.. وأسلحة الدمار الشامل والأشمل التي تسحب المعركة إلي داخل عقل الإنسان.

الفيلم يتفوق أيضاً في عنصر التصوير الذي يلج أماكن في القاهرة ويعيد بعثها في صورتها الجديدة وينظر بعين الكاميرا إلي تفاصيل جديرة بالاهتمام وشوارع تخطوها يومياً ولكنها تبدو علي الشاشة وكأننا نراها لأول مرة.. كذلك موسيقي هشام نزيه الفنان المبدع الذي يعرف كيف يدعم المعني والدلالات الخاصة وخصوصية الموضوع والبيئة الخاصة بالفيلم بموسيقي تكرس كل ذلك وتظل قيمة إضافية للعمل في حصاصتها له أثناء العرض أو مستغلة عنه لو شئنا الانفراد بها بعيداً عن الزحام داخل صالات السينما.

Exit mobile version