خيرية البشلاوي تكتب: ظاهرة الشذوذ في أفلام الغرب والسينما المصرية

ـ خيرية البشلاوي

يوجد أربعة أنواع من الشذوذ الجنسي يشار إليها في الميديا الغربية بالحروف الأولي LGBT، الحرف الأول يشير إلي المثليات الإناث Lesbian، والثاني للذكور gay، والحرف الثالث للرجال لمزدوجي النشاط blsaual، والرابع للمتحولين جنسيا Transgender.

هذه الأنواع الأربعة LGBT اقتربت منها السينما الغربية وعالجتها بالأساليب المتنوعة وفي القوالب المختلفة “كوميدي ـ ميلو درامي” هزلي درامي.. إلخ.

شارك في بطولات هذه الأفلام عشرات النجوم.. ومؤخراً طرحت إحدي المجلات Time ont البريطانية أسماء خمسين أفضل فيلم للشواذ مع اسئلة خاصة بهذا الشأن..

السؤال الأهم: أي الأفلام تعتبر الأكثر تفضيلا بالنسبة لك؟، وهل الاختبار بسبب إلقاء الكثير من الأضواء علي “الشاذات” و”الشواذ” أو هؤلاء الذين تحولوا جنسياً من نوع إلي آخر؟

السؤال تم توجيهه إلي الرواد من المثقفين ومنهم عدد من المخرجين المهمين في مجال السينما الغربية مثل زافييه دولان وكريستين فاكشين وبروس لا بروس ورولاند أميريش “يوم الاستقلال”.

ونشرت المجلة قائمة بأفضل خمسين فيلماً تندرج تحت LGBT بدأتها بفيلم “ساعة الأطفال” “1961” للمخرج الأمريكي ويليام وايلر وبطولة اودري هيبورن وشيرلي ماكلين وفيلم “تعليم رديء” 2004 للمخرج بدور المودوفار الذي يعتبر ضمن أعظم المخرجين الأسبان وأكثرهم شهرة خارج بلاده وهو أيضاً من المخرجين الذين قدموا تجاربهم الذاتية في هذا الصدد.. وتضمنت القائمة كذلك فيلما بعنوان “وريني الحب” Show me Love 1998 للمخرج لوكاس هوديسون هذه القائمة تعتبر الأفضل بالنسبة للذين اختاروها ولكنها مجرد جزء من مساحة أكبر جدا احتل فيها “الشذوذ” نصيبه المناسب.

شارك في اختيار القائمة خبراء سينمائيون ونجوم وكتاب ومخرجون ونشطاء ومؤيدون، وجميعهم اكتسبوا الخبرة بهذا الموضوع من خلال اشتغالهم وتجاربهم الشخصية.

وتختلف المواقف الاجتماعية إزاء “الشذوذ الجنسي” بأصنافه باختلافات الثقافة والفوارق الاجتماعية والحقب التاريخية، وأيضاً باختلاف النظرة إزاء الرغبة الجنسية وتختلف حتي “التسميات” فما نسميه شذوذاً يعتبر “إختلافاً” أو اختياراً لميول البشر الحسية، فلكل ثقافة قيمها الخاصة المرتبطة بما هو طبيعي وما هو “شاذ” في العلاقات والأمور الجنسية، فبعض الثقافات تصم هذا الشذوذ بالانحلال والفسق وتوقع العقاب علي من يمارسونه بينما تري ثقافات أخري أنها أمور طبيعية لها علاقة بالطبيعة الانسانية.

وفي العالم ـ زمان ـ كانوا يعتبرون الجنس الخلاق المنتج بكل أشكاله ليس عيباً ولا محرماً بينما تحرم الأديان جميعاً ذلك النشاط وبالذات دين “إبراهيم” ومؤخراً وجدنا بعض الدول تساند حقوق الشواذ LGBT وتعترف رسميا بعلاقتهم.

ومنذ السبعينيات من القرن الماضي بدأت كثير من الدول تتقبل العلاقة الجنسية بين النوع الواحد وفي هذا العام 2017 صدر كتاب للاستاذ الجامعي Adam Adawcyk ضمن مطبوعات جامعة كاليفورنيا يعتمد علي البحث الاكاديمي بطرق تعبر عن الاختلافات القوية في درجة القبول لهؤلاء يمكن تلخيصها في عوامل ثلاثة:

في أمريكا الشمالية يوجد قبول واسع “للشواذ” وكذلك في الاتحاد الأوروبي وكثير من دول أمريكا اللاتينية، وعلي الجانب الآخر يوجد رفض كبير لهم بين الشعوب التي يسيطر الدين علي أفرادها بدرجة كبيرة سواء في أفريقيا أو آسيا أو روسيا. وحيث يقل تأثير الدين يزداد مستوي القبول بغض النظر عن مستويات الثراء أو الفقر إذ كلما زاد تمركز الدين في حياة الدول قلت بالضرورة نسبة قبول الشواذ والشذوذ الجنسي، وتشكل المرحلة السنية عاملاً مهما في قبول أو رفض أشكال الشذوذ، فالأجيال الصغيرة تبدي تسامحاً كبيراً مع “الشذوذ”، وفي الدول التي تمارس التمييز الواضح بين الإناث والذكور تبدو المرأة اكثر قبولا للشذوذ من الرجل.

والمعروف والثابت أن مصر دولة محافظة والدين يلعب دوراً محورياً في حياة أفرادها، وبالرغم من ذلك فقد عرفت “الشذوذ” من خلال صناع الصور المتحركة أي السينما التي بدأ تقدما نماذج من هذه الصور. باهتة في البداية وعلي استحياء وباستخدام إشارات لها دلالة مميزة بعيدة عن التركيز مثل شخصية المدرسة “نوال الجمل” في فيلم الطريق المسدود “1957” عن رواية لإحسان عبدالقدوس واخراج صلاح أبو سيف. وبالتدريج بدت ملامح الصورة أكثر وضوحا وتتحرك بطريقة أكثر انباء من التلميح “حمام الملاطيلي” لصلاح أبوسيف أيضا 1973 ومن ثم أثارت جدلاً واسعاً وقت عرض الفيلم.

وجدير بالملاحظة أن السبعينيات من القرن الماضي شهدت العدد الأكبر من الافلام المصرية التي اقتربت من هذا الموضوع الشائك بدأت بفيلم “المتعة والعذاب” 1971 للمخرج نيازي مصطفي، وتضمنت عناوين “جنون الشباب” 1975 للمخرج خليل شوقي، والفيلم الشهير “الصعود إلي الهاوية” للمخرج كمال الشيخ و”رحلة داخل إمرأة” 1978 و”قطة علي نار” 1977.

ولم تخل الثمانينيات من تجارب تتناول مسألة الشذوذ الجنسي مثل “بحر الأوهام” 1984 اخراج المخرجة نادية حمزة.

وقدمت ايناس الدغيدي في التسعينات “ديسكو.. ديسكو” ثم يسري نصر الله في التسعينيات من خلال فيلمه “مرسيدس”، ونلاحظ أن نسبة إسهام المرأة المخرجة في التعرض لهذا الموضوع الشائك تشير إلي مقدار “الحرية” اللاتي قررن انتزاعها وفرضها علي مجتمع لا يتسامح مع مثل هذه الجسارة أو قل البجاحة. من خلال منظور عامة الشعب. وهناك أساتذة كبار مثل يوسف شاهين عالجت شخصيات تىوصم بالشذوذ. ومثل “الأستاذ” فعل التلاميذ وتلاميذ التلاميذ مثل مروان حامد في “عمارة يعقوبيان”.

كثيرون وخصوصاً من صناع السينما عندنا يضعون النموذج الغربي باعتباره النموذج برغم الاختلاف شديد التباين في الثقافة وانساق القيم الاجتماعية ونوع التفكير. فهذا هو النموذج الأمثل الجدير بالمحاكاة.

والبعض منهم يغالي في أسلوب التناول بهدف الإثارة الجنسية وكسب ود المراهقين الذين يشكلون النسب الأعظم من رواد الافلام “حين ميسرة”.

وهناك افراط في تصوير الإنحرافات بحجة أن هذا هو الواقع والامعان في كسر تابوهات هذا الواقع المعوق وليذهب المحافظون إلي الجحيم.

وأتوقع نوعاً آخر من المتاجرة والابتزاز من قبل “الليبراليين” بزعم الدفاع عن حرية الإبداع حتي لو اتخذت شكل الغواية والاضواء وتجسيد الرغبات الحسية المكشوفة لأن ذلك هو “الواقع” كما يرونه.

لا يوجد فيلم واحد مصري يمكن أن يدعي صانعه انه كان يهدف إلي معالجة الشواذ لأن طريقة المعالجة تفضح النية. والنوايا ليست خافية لأنه يوجد من بين صناع السينما مرضي بهذا “الداء” ويجاهرون به!!

وتشهد المرحلة الأخيرة مؤشرات خطيرة تشير إلي أنواع متنوعة من الشذوذ بل “والإلحاد” والملحدين.

إن هذه الأمراض الاجتماعية تحتاج إلي من يقترب منها ولكن بأسلوب علمي اجتماعي وسياسي لأن كل حقبة زمنية في طريق التطور تفرز أوجاعها والظواهر الشاذة مثل ظاهرة “الإرهاب” التي جرت معها أشكالا من الشذوذ السلوكي في محيط الجنس..

صحيح أننا جزء من هذا العالم ولكن من دون أن نفقد خصوصيتنا الثقافية والأخلاقية والدينية فنحول الافلام إلي ماخور ثم نتعامل مع “خلية” وحيدة نشاذ ومحدودة العدد من الشواذ كموضوع لبرامج الحوار وفي القنوات المفتوحة بلا رابط تطل علي بيوت الناس بلا حياء في مجتمع يعاني نسبة منه من الجهل والأمية والكبت بأشكاله.

Exit mobile version