كان بإمكان فريق «عقدة الخواجة» أن يقدموا فيلماً أكثر إثارة وتشويقاً. وأكثر قيمة موضوعية.. ذلك لأن مخرج الفيلم بيتر ميمي لديه إمكانيات تعبيرية واخراجية قوية وخيال خلاق في اختيار الأمكنه وتحديد الزوايا التي تبرزها. مثلما لديه قدرة علي تقييم الحركة والدفع بالإيقاع إلي مستويات من التوتر عالية.
كان بالإمكان الحصول علي عمل ذي قيمة موضوعية وفنية أيضاً لو أن الحركة الخارجية المدروسة للأشياء المادية الملموسة (السيارات ولغة الجسد. الاشتباكات. إلخ) لها مايعادلها من أفكار وقيمه إنسانية اجتماعية أو رومانسية.. إلا أننا في الحقيقة نتابع حبكة فارغة. إلا من فقاعات الحركة الصاخبة والصوت العالي المعبر عن إفلاس وفتونة وحكاية مفبركة تربط بين شاب تافه رغم الشقاوة الشكلية التي تعجب أمثال «فارس الخواجه» وفتاة تمتلك «وجه حلو» وأداء ضعيفاً «هنا الزاهد» إلي جانب قاتل محترف تم استهلاكه «محمد لطفي» وآخر عجوز ثري فاسد «حسن حسني» يعيش في ما يشبه القصر بعقل في حجم النحلة ثم فاسد آخر «ماجد المصري» يربي حيوانات متوحشة في بيته للتخويف والترهيب وتنفيذ خططه الإجرامية.
مصادر الفكاهة في هذا الفيلم تتكئ بصورة أساسية علي الحركة الخارجية من دون ابتكار أو إضافة للحركات التي ابتكرتها الكوميديا التقليدية من بدايات تطورها الأولي وأشير تحديداً إلي الصفعات القوية علي الوجه لاحداث صوت طرقعة عالية. أو الوجه الجامد الخالي من التعبير تماماً في موقف يستدعي ردود فعل قوية. أو ردود قوية مفاجئة وغير متوقعة تعبيراً عن دهشة أو خوف أو ألم بالغ أو سخرية في غير مكانها..
المؤلفان «هشام ماجد – شيكو» قدما تنويعه من الإفيهات المحفوظة للأنواع المختلفة من الفكاهة مع استخدام لمهارات الممثل حسن الرداد التي أظهرها بنجاح في أفلام سابقة وان كان أشهرها النمرة التي قدمها في «زنقة ستات» وجعلت تصنيفه «ممثل راقص» «حريمي» علي غرار ما فعله سلفه محمد سعد.. استخدام البطن والسيقان والأرداف في تنغيم موسيقي تحرك الشهية للضحك. فالممثل يخلق جمهوره والأفلام المصرية من هذا النوع لديها جمهور يحتفي بها ويشجعها.
كاتبا السيناريو لعبا أيضاً علي إفيه «تنزل المرة دي» الذي اشتهر به عبدالفتاح القصري في فيلم «إبن حميدو».
في مشهد فارس الخواجه والثعبان والأسد في منزل «ماجد المصري» أي لعب علي المفارقة بين نقيضين هما قمة الشجاعة ومنتهي الجبن.
حسن الرداد بطل الفيلم لديه هو الآخر امكانيات جيدة. فهو يمتلك صفة الحضور والليونة الجسمانية وأيضاً المرونة النفسية التي تجعل مؤدي الدور لا يستهجن الإيتان بحركة أو تلميحة أو محتوي للشخصية التي يؤديها مثله مثل 99% من الممثلين المحترفين ومنهم من لا يقرأ السيناريو ويكتفي بالنظر في الشخصية التي سوف يؤديها. لأن التمثيل مجرد مهنة أو وظيفة ولأن الدور تكمن قيمته في قيمة الرقم المكتوب في العقد. ومن ثم فإن آفة التكرار إلي حد الاستهلاك لنفس الحركات والافيهات أمر لا يضيره. لأن الناس اعتادته ومازالت تستجيب لتأثيره الفكاهي.
«هنا الزاهد» وجه جميل ربما وأنثي مثيرة جائز ولكن هذا لا يصنع ممثلاً وكذلك ساميه طرابلس والاثنتان لا تمثلان قيمة مضافة سواء للفكاهة أو للدراما. فالممثل «الفارغ» آفة وآفة الفن وصناعة الترفيه الآنية «التفاهة» إلا فيما ندر.
ولو أننا حاولنا أن نبذل مجهوداً أكبر لاستخراج معني أو محتوي «العقده الخواجة» سنجد أن الموضوع هو استمرار «الفساد» الذي يأكل الروح وينزع الضمير ويحول الانسان إلي شيطان. هنا يمكننا أن نجد نصف دستة شياطين أو أشرار يتحركون علي الشاشة. إناثاً وذكوراً ومع انتشار الأشرار ينشط الشياطين علي الشاشة بطبيعة الحال وليس مقبولا ان يطل علينا أحدهم من خارج الشاشة ليقول ان هذا هو ما يدور في «الواقع» فملعون أبو الواقع.. هذا الذي يواظب علي تكريسه وتأكيده وكأننا غارقون في مستنقع لا ينضب من شتي صوره.. أعني صور الفساد..
أقول كان بإمكان فريق «عقدة الخواجة» أن يقدموا فيلماً أفضل لو أراد الخواجة صاحب الدكان أن يجرب أشكالاً أخري ويفكر في تعديل مفهومه عن «ماهية الفيلم» لقد هجر المنتج العتيد التوليفة الحريفة التي صارت «ماركة» بشخصيات ذات بصمة خاصة «الراقصة اللولبية» ذات اللحم المكتنز الطرية والمطرب المجلجل بصوته الصاخب الصداح.
صحيح انه أبقي علي الإفيه والإيحاءات والترنيمات الحسية التي يظهرها الأداء الصوتي ويفضح فحواها ملامح وجه الممثل أو الممثلة.
ولو أراد صاحب الدكان «الخواجة» أن يتحرر من عقدة الشباك وأن يتمسك بنفس القدر من الحماس بضرورة إشاعة السرور والبهجة وسط الجمهور ولكن بأساليب مختلفة أكثر فنية وقيمة موضوعية.. وقتئذ حنقول وبصوت جهوري: «حيوا حالاً حالاً صاحب الدكان.. أصبح فيلمه الليلة الليلة أحلي مما كان».