ناقش أهمية القصص والتكلفة البشرية للحروب ودور الأسرة في حياته
الدوحة ـ «سينماتوغراف»
في أول الندوات الدراسية للدورة الأولى من ملتقى قمرة، تحدث صانع الأفلام البوسني دانيس تانوفيتش عن مسيرته الفنية وما أثر عليها وعن توثيق الحرب البوسنية.
وبصفته أحد الخبراء السينمائيين في قمرة، سيعمل تانوفيتش على نصح وتوجيه أصحاب أربعة مشروعات منها فيلم الدراما والخيال «حراشف» (السعودية وقطر) للمخرجة والكاتبة شهد أمين، وفيلم الدراما «قوة خارقة» (قطر) لكاتبه محمد المحميد، وفيلم الكوميديا السوداء «أنا ومردوخ» (فلسطين والأردن وفرنسا وقطر) للمخرج والكاتب يحيى العبدالله، وفيلم الإثارة السياسي «قادر وأخوانه» (تركيا وفرنسا وقطر) للكاتب والمخرج أمين ألبر.
وفي معرض حديثه عن مسيرته الفنية، تحدث تانوفيتش عن متابعته أفلاماً من الشرق والغرب منذ سن مبكرة أثناء نشأته في يوغوسلافيا السابقة. وقال «وقعت في غرام السينما الإيطالية بفضل أبي وكان لها أثر كبير على مسيرتي الفنية».
وفي العقد الثالث من عمره أثناء فترة تجنيده في الجيش، أدرك تانوفيتش أهمية توثيق واقع الحرب، فقام أيام دراسته الجامعية بالسطو على كلية السينما وسرقة كاميرتين.
«هكذا كانت بدايتي. قد يكرهني الناس لما فعلته إلا أن صناع الأفلام بحاجة إلى كاميرا! وبصفتىي عضواً في قوات الدفاع، كان لنا مطلق الحرية في تصوير ما كان يحدث والذهاب أينما رغبنا حيث كنا نعمل على تجميع مواد مصورة للصحافيين الذين لم يتمكنوا من التواجد في هذه المناطق».
وفي حديثه عن فيلمه «الأرض المحرمة» الذي أنجزه في عمر 31 عاماً عقب تخرجه، قال تانوفيتش أنه لم يكن راضياً عن الطريقة التي صُورت فيها الحرب البوسنية في الأفلام التي شاهدها.
«الدرس الوحيد من الحرب هو أنه لا رابحين فيها. ولا أعتقد أنه يجدر بأحد صنع فيلم عن الحروب إلا إذا كان ضدها. كنت أرغب في رواية قصة عن عبثية الحرب وحقيقة ما يجري خلالها. فالحرب تجعلك تدرك هشاشة الحياة وسهولة تعطلها، وأن السبيل الوحيد للبقاء على الحياة خلال هذه الأوقات الرهيبة هو محاولة البحث عن عنصر النكتة».
وقال تانوفيتش أنه أنجز تصوير الفيلم في 26 يوماً من خلال 27 وضعية تصوير، وأنه رغم ميزانية الفيلم المحدودة وجدول عمله الضيق زمنياً استمتع كثيراً مع طاقم الفيلم في صنعه.
«لم يكن لدي أي مخاوف أثناء عملي على «الأرض المحرمة» حيث كان فيلمي الأول ولم يتوجب علينا حينها إرضاء المستثمرين أو تلبية التوقعات. ونادراً ما ألاحظ أفلاماً جيدة ذات نصوص سيئة حيث أجد أنه من الصعب أن تصنع فيلماً جيداً بالاعتماد على سيناريو سيء الذي يمثل عاملاً محورياً في صناعة أي فيلم. ولا بد أن يحرك السيناريو فيك شعوراً ما عند قراءته، وإن لم ينجح في ذلك فهو ليس سيناريو جيد».
وعن فيلمه «فصل من حياة جامع خردة» الذي بلغت ميزانيته 17000 يورو وصُور على مدار 8 أيام، يقول تانوفيتش أنه لم يتوفر لديه سيناريو إلا أنه شعر بضرورة عرض قصة الفيلم بسبب الغضب والقهر اللذان شعر بهما تجاه الظلم الذي يمارسه نظام الرعاية الصحية حيث لم تنل أسرة محتاجة حقها من العون.
وقال تانوفيتس عن الفيلم، «أنجزت هذا الفيلم رغم كل التحديات، ولكنني أؤمن بضرورة الإفصاح عن ما يجول في خاطر المرء مهما كانت العوائق. يود جمعينا لو كانت لدينا الملايين من الدولارات لصنع الأفلام إلا هذا الأمر ليس ممكناً دائماً».
وحول الأثر الذي تركته أفلامه على الحياة السياسية في البوسنة، قال تانوفيتش أنه لا يرى نفسه «رجلاً يتصدى لمهمة» إلا أنه أضاف، “أؤمن جدياً بأن لعملي معناً حتى لو نجح الفيلم في تغيير فهم شخص واحد لا غير في أي مكان أو إنقاذ حياة شخص واحد فقط».
وقال تانوفيتش أن فوزه بجائزة الأوسكار أتاح له حرية الحفاظ على استقلاليته، حيث مزح قائلاً «لو كان بإمكانك الفوز بجائزة الأوسكار أو أي جائزة كبرى كانت، فأرجوك أن تفعل ذلك فلا شك أن لا ضير في ذلك! ». وأضاف «ستحصل على مال أكثر وتجذب مزيداً من الاهتمام. ولكن إذا ما تركنا المزاح جانباً، يبقى من المهم أن تعمل مع ناس يشاركونك نفس طريقتك في العمل، وتستطيع التفاهم معهم. ومن المضحك حول صناع الأفلام هو لكل منهم طريقة في التفكير والتصوير والعيش، فكل واحد منا ذئب وحيد يعمل بمعية سربه الخاص لذا يتعين على كل منكم اكتشاف ما هو مناسب لكم».
وعند سؤاله حول إذا ما كان يفكر في دخول عالم التلفزيون، أجاب تانوفيتش «نعم بالتأكيد. التلفزيون أداة جبارة حيث يفوق في قوته أفلام السينما المستقلة إلى حد ما. وللتلفزيون جمهور ضخم ولا شك أن أثره عظيم عندما يكون العمل المعروض جيداً. أتشوق أنا وزوجتي إلى متابعة مسلسلاتنا المفضلة ليلة الأحد بعدما يخلد أطفالنا إلى النوم».
ومتحدثاً عن أهمية الأسرة وعن تصويره للحياة الأسرية في أفلامه، قال تانوفيتش، «أعتقد بأن كل شيء في حياة المرء يؤثر عليه. وأرى أنه كان للحرب تأثير حاسم على شبابي وبداية مسيرتي المهنية، وأما بخصوص المرحلة المتأخرة من مسيرتي فكان الأثر الأكبر بفعل زوجتي وأطفالي. تأتي الأسرة في المرتبة الأولى في حياتي فوق أي شيء آخر، بما فيها صناعة الأفلام التي تأتي في المرتبة الثانية».