ـ عصام زكريا
في مواجهة القرصنة على الأفلام التي تسببت في خسائر جسيمة لصناعة السينما الأمريكية والعالمية وهددت بإفلاس وتوقف الاستوديوهات الكبرى، كان أحد الحلول التي لجأت إليها هذه الشركات هو التركيز على المنصات التي تبث الأفلام عبر الإنترنت مباشرة، ما يقطع الطريق على القراصنة ومحبي مشاهدة الأفلام على الإنترنت بتوفير بديل رخيص مريح، وكان أحد الحلول الأخرى تطوير قاعات العرض السينمائي وإنشاء دور عرض جديدة متطورة مثل IMAX تقدم خدمة عرض ثلاثية أو رباعية الأبعاد على شاشات عملاقة وأنظمة صوت بالغة الدقة، ما لا يمكن توفره في المشاهدة المنزلية.
وخلال شهور الحظر الطويلة التي تسببت فيها جائحة كوفيد-19 أغلقت دور العرض لأجل غير مسمى، مما دفع كثير من المنتجين للتركيز على المنصات، ولكن يبدو أن هذا الحل تحول بدوره إلى مشكلة بسبب التسريب الخطير الذي يحدث لأفلام المنصات بنسخ جيدة جداً بعد ساعات قليلة من بدء عرضها، وهو ما حدث أخيراً مع فيلم The Matrix Resurrection وقبلها مع فيلم Dune، ومعظم أفلام المنصات الشهيرة مثل نتفليكس وديزني وأمازون وشاهد وغيرها. وهو ما أثار الجدل مرة أخرى حول كيفية مواجهة هذه الموجة الهائلة من قرصنة أفلام المنصات والمحطات التليفزيونية التي تقدم خدمة البث بمقابل.
قبل أيام من عرض The Matrix Resurrection حذر المدير التنفيذي لسلسلة دور العرض IMAX ريتش جولفوند في حوار مع موقع Puck News يوم 12 ديسمبر، من التسريب الذي يحدث نتيجة العرض المباشر على المنصات قائلاً إن القرصنة تقتل هذا النوع من العرض وإن منتجي هذه الأعمال يخسرون الكثير من الأموال التي يمكن جنيها بهذه الطريقة، وهو ما حدث بالفعل مع فيلمي «الماتريكس» و«ديون» اللذين أنتجتهما شركة «وارنر».
الماتريكس، كما تنبأ جولفوند، لم يحقق الكثير في دور العرض، حيث لم يتجاوز مجمل إيراداته خلال الأيام الخمسة الأولى من عرضه 22.5 مليون دولار، ولكنه حظي بمشاهدات هائلة على منصة HBO Max وصلت إلى 2.8 مليون شاشة خلال الأيام الخمسة الأولى من عرضه. ولكن بعد ساعات من بدء بث الفيلم تعرض للقرصنة وإتاحته على مواقع torrent وغيرها بنسخ ممتازة مأخوذة من البث التلفزيوني وليس من خلال كاميرا فيديو مهربة داخل دار عرض كما يحدث عادة مع الأفلام التي تعرض في دور العرض أولاً قبل انتقالها إلى المنصات والوسائط المنزلية الأخرى، وأحدث مثل على ذلك فيلم Spider man No Way Home، الذي سرب بنسخة بالغة الرداءة لم تؤثر كثيراً على إيرادات الفيلم التي تخطت مليار دولار. في الوقت نفسه أصبحت نسخة «الماتريكس» المقرصنة أكثر الأعمال تحميلاً على مواقع التورنت بمجرد بثها، حيث وصل نصيبها إلى 32% من أكثر عشرة أعمال تم تحميلها خلال الفترة من 20 إلى 26 ديسمبر، ورغم صعوبة تحديد عدد مرات تحميل الفيلم إلا أنها تتجاوز بالطبع عشرات الملايين.
ويأتي عرض «الماتريكس» على منصة HBO Max بالتزامن مع دور العرض في إطار قرار المسؤولين في شركة «وارنر» بعرض كل إنتاجها على المنصات ودور العرض معا، بعد الفشل الذي مني به فيلم Tenet للمخرج كريستوفر نولان الذي نزل إلى دور العرض مع تصاعد جائحة كوفيد-19.
في الوقت نفسه، ومع تعافي دور العرض السينمائي إلى حد كبير، تواصل شركات مثل IMAX وVOX خطتهما في إنشاء المزيد من دور العرض المتطورة، إيماناً من أصحابها بأن التردد على دور العرض سيظل نشاطاً اجتماعياً جذاباً يصعب انقراضه أو انكماشه، حتى لو كانت وسائل العرض المنزلية تزدهر حالياً بدرجة كبيرة.
ويبقى السؤال مطروحاً على «وارنر» وبقية أهل الصناعة: دور العرض أم المنصات؟ ويبقى السؤال مطروحاً على المشاهدين: دور العرض أم المنصات أم القرصنة.. حتى لو كانت هذه القرصنة عملاً غير قانوني وحتى لو تسببت في تدمير السينما التي يحبونها؟!