ـ محمد جابر
تمتلك الأفلام المستمدّة من قصص حقيقية تأثيراً أكبر على المُشاهد، من تلك التي يعرف مسبقاً أنها خيال بالكامل. هو يصدّق أن هؤلاء الأفراد مرّوا فعلاً بما يراه على الشاشة، وبالتالي فإنه يتعامل معه بجدية أكبر.
هذه نقطة استغلها المخرج بيتر بيرغ، تماماً، في فيلمه الجديد Deepwater Horizon أو أفق المياة العميقة، المعروض حالياً في الصالات السينمائية، ليحقّق، من ناحية أولى، أحد أفضل أفلام الحركة في صيف 2016، لكنه، من ناحية ثانية، لا يتعامل بأمانة مع القصّة المستمد منها الفيلم، وإنْ لم يكن دَور السينما نقل ما حدث كما هو، بل على الأقل من المهم ألا تقدّم له صورة مغايرة تماماً.
تدور أحداث الفيلم حول أكبر حادثة انفجار نفطي في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، عندما انفجرت منصة تنقيب عن البترول في إبريل/ نيسان 2010، ونتجت عنها كارثة بيئية ضخمة.
يرتكز على شخصية المهندس مايك ويليامز، مسؤول الصيانة في المنصة البترولية، ويتابع حياته مع أسرته منذ بداية اليوم الذي جرت فيه الكارثة، وصولاً إلى كل التتابعات التي تنبئ بوجود أخطاء، قبل أن يقع الانفجار فعلاً، الذي أدّى إلى وفاة 20 عاملاً، ونجاة بعض الأشخاص، من بينهم ويليامز.
الفيلم جيد جداً من الناحية السينمائية. قراره أن يسرد الحكاية بشكل متتابع، من دون ألاعيب سردية، وأن يختار السيناريو يوماً واحداً، تسير فيه الأحداث منذ الصباح حتى الليلة الكارثية.
كلها كانت خيارات موفقة جداً، أن يبدأ الفيلم مع ويليامز وأسرته أمرٌ سمح لنا، خصوصاً مع أداء لمارك وولبيرغ وكايت هدسون، بإقامة ارتباط عاطفي بالشخصية، واهتمام سريع بمصيرها، وبأثر ما سيحدث لاحقاً على الأسرة، وهي قوة عاطفية أفادت الفيلم جداً في مشاهد الانتقال مع الزوجة عند وقوع الانفجار.
المنظور الخطي واليوم الواحد أيضاً، جعلا أثر ما يحدث، خصوصاً مع معلومة أنها قصة حقيقية، أكبر كثيراً من بقية أفلام الكوارث المعتادة في السينما الأميركية، خلال السنوات الأخيرة. فنحن نصبح جزءاً من منصة التنقيب تلك، حين نصل مع ويليامز إلى بداية يوم عمل، يُفترض به أن يكون عادياً، قبل أن نشعر بالجحيم، وهي نقطة متميزة في السيناريو، وأيضاً في تنفيذ المخرج بيتر بيرغ، الذي لجأ إلى مؤثرات بصرية محددة وواقعية، من دون محاولات إبهار زائدة، كجزء من زيادة التفاعل بين المتفرج وما يراه.
كل تلك التفاصيل في صالح الفيلم تماماً. لكن، في المقابل، فإن مشكلته الرئيسية، خصوصاً كفيلم يضع لافتة “مقتبس عن أحداث حقيقية”، أنه يتعامل مع الكارثة نفسها من دون مصداقية.
فهو أولاً يحمّل شركة “بي بي” المسؤولية الكاملة ضمن أحداثه، من دون أي تطرّق للشركة الأميركية “هالبيرتون”، التي قامت بضخ مواد إسمنتية ليست بالجودة المطلوبة، وبالتالي تسببت بشكل مباشر في انهيارها، وحدوث الانفجار لاحقاً، وهو أمر أثير في العديد من الصحف البريطانية، مع بداية عرض الفيلم، مع توضيح كمّ المغالطات التي يمتلئ بها عما حدث، وبالتالي فالعمل فيه خيانة للحقيقة التي يدّعي نقلها، وهذا يستمر لاحقاً حين يتحوّل، في النهاية، إلى قصة فردية تماماً عن المهندس ويليامز، متجاوزاً في تتابعه الأخير ونهايته السعيدة وفاة 20 شخصاً بالفعل في تلك الليلة المميتة، حيث جعلهم مجرد أجساد مترامية على الشاشة، ومجرد خلفية بعيدة للحادث.
كذلك، لا تترك نهاية الفيلم أي وعي أو إدراك بأن تلك الكارثة البيئية من التسرّب النفطي في المياه، وأنها ظلت على درجة من الأثر رغم المحاولات الضخمة من قبل الحكومات والشركات لتقليل التسرب والخسائر. والفيلم، الذي بذل مجهوداً ممتازاً في بدايته لجعلنا نشعر بحقيقية وسوء ما حدث، تحول في نهايته إلى مجرد قصة هوليوودية أخرى، عن شخص بقي على قيد الحياة، وعاد إلى أسرته، بينما أصبح الأشخاص الذين لم يعودوا، والآخرون الذين تضرروا بيئياً، مجرد كومبارس عابر.