بقلم الناقد السينمائي: كمال رمزي
ولد اسماعيل ياسين، في 15 /9 / 1912 ، وهو الفنان الذي أعيد اكتشافه أكثر من مره. اثناء حياته، تعرض لحملات نقدية قاسية، تهاجم أسلوبه المكرر، تصف أعماله التي تبدأ عناويناها باسمه، بأنها سلاسل رخيصة. لكن بعد رحيله، لوحظ أن الأطفال يتابعونه بشغف، يندمجون معه، يعتبرونه واحدا منهم، وكان من المنطقي أن يحاول المهتم بالسينما معرفة سبب تعلق الأطفال به هو تحديدا، وما الشفرة التي جعلته مألوفا ومحبوبا للأطفال؟.
وتتلخص الإجابة في أن وجهه أقرب للكاريكاتير، فكل ملمح من ملامحه يتسم بالمغالاة، كما لو كانت قد رسمته ريشة فنان كاريكاتير، يتميز بالجرأة وسعة الخيال. الكاريكاتير، بالنسبة للأطفال، أقوى وأعمق جذبا من الرسوم الجمالية، لذا فإن جمهور إسماعيل ياسين، يعجب بأنور وجدي، أو كمال الشناوي، لكن يتعايش مع إسماعيل ياسين. الأهم، أن خلف هذا الوجه الكاريكاتوري تكمن روح عذبة، طيبة، لا تعرف شيئا عن شرور الدنيا، ويبدو صاحبها “مدهوشا” من عالم الكبار الذي يجد نفسه فيه. إنه ضعيف البنية، لايعرف كيف يدافع عن نفسه، يخاف من الظلام، يتجنب الدخول في معارك بدنية، يولى الإدبار عندما تحتدم المعارك، يغمض عينيه حين يرى موقفا عنيفا، وإلي جانب قيم الصداقة التي يجسدها، على نحو عفوي، تأتي ردود الأفعال عنده مطابقة لردود أفعال الأطفال، أحيانا، عندما يداهمه الفزع، تسيب مفاصله ولايكاد يقوى على الجري، ينكمش على نفسه تارة، ويستنجد قائلا “ياماما” تارة أخرى، إنه نجم الأطفال بامتياز.
شارك إسماعيل ياسين في أكثر من ثلاثمائة فيلم، قدم خلالها مئات المونولوجات والاسكتشات الجميلة، التي لا تزال قادرة، ببهائها، على إثارة البهجة. إسماعيل ياسين، متعدد المواهب، فهو صاحب صوت يجمع بين العذوبة والقدرة على التعبير عن المشاعر المتباينة، ولولا وجهه الكاريكاتوري، لكان من مطربينا الكبار، وهو أيضا من أنبغ ممثلي “البانتوميم” أو الأداء الصامت في تاريخنا التمثيلي. في فيلم “دهب” لأنور وجدي 1953، يندمج في أكل “المكرونة” الوهمية، وشرب الشوربة التي لا وجود لها، وبلع حبة دواء خيالية، فيثبت جدارته كممثل صامت.
معظم نجوم الكوميديا عندنا، تقمصوا أدوار النساء، لكن إسماعيل ياسين كان الأفضل، كما وكيفا. معظم هذه الأدوار تأتي كنوع من التخفي، باستثناء “الآنسة حنفي” لفطين عبد الوهاب 1954، حيث يتحول إسماعيل ياسين، إثر عملية جراحية، إلي امرأة، وهنا تتجلى براعة نجمنا وهو يعبر، بأنطلاقاته، عن حق المرأة في أن تعامل ككائن له حرية الاختيار. إنه فيلم مهم، تم التعامل معه باستخفاف حتى كاد يدخل دوائر النسيان، وحين عرضه البرنامج التلفزيوني “ذاكرة السينما” سلطت عليه الأضواء من جديد.