«سينماتوغراف» ـ هشام لاشين
تحول عرض فيلم سينمائي الي معركة ولافتات للدعاية والشجب وتحذيرات وتحديات، وفي النهاية عرض الفيلم علي الانترنت في نفس يوم عرضه بدور السينما ليلة عيد الميلاد.. انه فيلم «المقابلة ـ The Interview» الذي أنتجته شركة «سوني بيكشترز» ويروي قصة خيالية عن مخطط لوكالة الاستخبارات الأميركية لاغتيال زعيم كوريا الشمالية.
وكانت سوني قد أعلنت عن إطلاق الفيلم المثير للجدل على عدة منصات عرض إلكترونية في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك تنفيذاً لوعدها بعرض الفيلم رغم سلسلة التهديدات التي تلقتها من مجموعة قراصنة تبنت مسؤولية الاختراق الذي تعرضت له الشركة الشهر الماضي.
وتوازى ذلك مع عرضه في عدد من دور السينما خلال عطلة عيد الميلاد .. ووصل الفيلم إلى الترتيب الأول على قائمة يوتيوب لمقاطع الفيديو الأكثر شعبية، وذلك خلال اليوم الثاني على طرحه ضمن خدمة الفيديو التابعة لجوجل.
هذه هي الحكاية بإختصار ولكن هل كان هذا الفيلم يستحق كل هذه الضجة ؟
من خلال مواقف هشة وسطحية وسخيفة تدور أحداث الفيلم عن مهمة سرية للاستخبارات الأميركية CIA لاغتيال رئيس كوريا الشمالية من خلال استخدام ديف «جيمس فرانكو»، الصحفي الأميركي الذي لا يعنيه سوى تحقيق الشهرة من خلال متابعة أخبار المشاهير المثيرة، يقدم هو ومنتجه أرون «سيث روغن» برنامجا حواريا «توك شو» عنوانه Dave Skylark.
ويتلقى ديف وأرون اتصالا هاتفيا من بيونغ يانغ يخبرهما أن Dave Skylark من البرامج المفضلة لكيم جونغ أون، ويطلب منهما إجراء مقابلة صحافية مع الرئيس.. «المقابلة التاريخية» فرصة للصعود درجة أخرى على سلم المجد، يعتقد الزميلان، لكن عميلة الاستخبارات المركزية «ليزي كابلان» تطلب منهما مهمة تخليص العالم من الزعيم الذي يعاني منه الجميع.. في النهاية يوافقان على التنفيذ.
تتوطد صداقة الصحافي الأميركي ديف والزعيم الكوري، يلعبان معا كرة السلة، وكلاهما يحب مشروب المارغريتا، وسماع المغنية كايتي بيري. يتأثر ديف ببساطة كيم، ويظن أن التقارير الإعلامية عنه مبالغ فيها.
يرتب الثلاثة لمقابلة تلفزيونية يجريها ديف ويتخيلها الزعيم سوف تقدمه كمـُلهم وفنان، لكن في لحظة فارقة يواجهه ديف بأسئلة مغايرة، «لماذا يجوع شعبك؟»
وفي فاصل مفتعل وسخيف يبكي الزعيم أو«لرب الإله» أمام الملايين، ووراء الكاميرا صراع على قطع البث بنفس السخف والافتعال وقضم الأصابع المتتالي..وطبعا الملايين على الشاشات مصدومون.. إذ كيف يبكي زعيمهم؟ او الرب الأعلي.
نحن اذن ازاء فيلم يريد ان يتحدث عن الإنسان والسياسة منتقدا غياب الحرية والديمقراطية والعدالة.. ولكن كيف قدم رسالته؟
تناول كوميدي خفيف للمؤامرة، بلا جدية.. ايقاع شديد الترهل يعتمد علي الحوار واللقطات الطويلة والاماكن الواحدة والزوايا الثابتة المتكررة .. حتي مشهد المقابلة الذي يعتبر (الأنتي كلايمكس) بلغة السينما جاء سخيفا باردا ولم تشفع اللقطات المتقاطعة مع رد فعل الجماهير فيما يشبه الفوتومونتاج في احداث تصعيد نفسي قوي.. بينما كسر المخرج إسلوب الفيلم الكوميدي الخفيف وهو يعرض المطاردة بين فريق البطل الاميركي وفريق الزعيم الكوري من خلال اكشن اميركي معتاد في نوعية اخري من الأعمال الهوليوودية المنتشرة.. وقد أنتج الفيلم بميزانية صغيرة جدا 44 مليون دولار، وهي ميزانية جد ضعيفة مقارنة بميزانية الأفلام الأميركية .
وقد بدا ضعف الإنتاج أيضا في الاماكن المحدودة جدا والحوارات الطويلة في الغرف المغلقة مما دفع الفيلم الناقد الاميركي لـ«ذا هوليوود ريبورتر» الى القول بأنه «فيلم له حاشية كوميدية رديئة مماثلة لـ(اسكتش) من برنامج (ساترداي نايت لايف/ برنامج ساخر يبث كل ليلة سبت) ».وهو كلام لاينطبق فقط علي مجموعة مشاهد هذا الفيلم ولكن أيضا علي ممثليه بالإجماع .
بينما انتقل الغضب ضد الفيلم من كوريا نفسها للصحفيين والاعلاميين الذين وجدوا في الفيلم بعد عرضه على الإنترنت إهانة للصحافة وعملها، ويتجاوز مرحلة الجدل السياسي التي اندلعت بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، وتساءلت صحيفة «ليبراسيون»: هل الفيلم سييء إلى هذا الحد أم العكس؟ وذلك في إشارة إلى بعض مشاهد الشذوذ الجنسي التي تناولها الفيلم، بينما قالت صحيفة «20 دقيقة» الفرنسية «كل هذا من أجل هذا»، باعتبار أن الفيلم دون مستوى الجدل السياسي الذي عرفه، بينما قالت صحيفة «لوموند» إن مشاهد الفيلم من طرف سكان الولايات المتحدة وتحديدا نيويورك، «جاء للدفاع عن حرية التعبير التي تبقى قضية مصيرية»، وإن كان الفيلم حسب صحفي «الواشنطن بوست» ساخرا، ولا يمكنه أن يرقى إلى مستوى الجدل الدولي. بينما قالت صحيفة «داد لاين هوليود»، إن الفيلم يمكن اعتباره من أسوأ الأفلام التي أنتجت في الولايات المتحدة من الناحية الفنية، فيما ذهب موقع «سيماسك» الأميركي إلى وصف الفيلم بـ «الغبي»، حيث لم يفهم كاتب المقال كيف أثار الفيلم غضب زعيم كوريا الشمالية إلى هذا الحد. وهكذا شكلت الصحافة الفرنسية والأمريكية شبه إجماع على أن الفيلم «عديم القيمة» رغم أنهم ملزمون بالدفاع عليه من باب حماية حرية التعبير.
في نهاية الفيلم يقف ديف وأورن أمام حشد جماهيري في بلديهما. يقول ديف «لقد أشعلنا ثورة».وعلى التلفاز، تبدو منشقة القصر الكورية الشمالية تقود التظاهرات ولكن مشكلة هذا الفيلم عندما يصور الديكتاتور كحاكم ظالم لشعبه وعسكري خطر يؤمن بأفكار لم يعد لها مجال في الحياة الحاضرة، فأنه يأتي بالمقابل الغربي عبارة عن شتائم وألفاظ وأفعال جنسية شائنة وإيحاءات مثلية ومخدرات. وكأن هذا هو البديل الديمقراطي والنموذج الوحيد .. ربما لهذا السبب اعتبر البعض الفيلم غبيا فهو ضحل في توصيل أفكاره وربما لم يكن يلقي كل هذه الضجة لولا حكاية القرصنة هذه والتي ربما كانت نوعا من الترويج غير المعتاد والذي قد ينكشف مع الايام غرابته.. فهل كان هذا الفيلم مثلا يستحق القرصنة؟!! وان كان لاشيئ غريبا علي العقلية الغربية في الدعاية والترويج!.