بلفاست ـ «سينماتوغراف»
هيمنت أحواض بلفاست، خلال جزء كبير من القرن العشرين، على صناعة السفن العالمية، إلّا أن المرفأ الذي بنيت فيه سفينة تايتانيك صار اليوم موقعاً مهمّاً لإنتاج الأفلام والمسلسلات.
وقد ساهمت سلسلة من المشاريع الكبرى في الآونة الأخيرة في تمكين المقاطعة البريطانية من ترسيخ سمعتها العالمية في مجالَي السينما والتلفزيون. حتّى أنّ بعضهم يرى أنّ أيرلندا الشمالية ستصبح قريباً على الأرجح معروفة بكونها موقعاً صُوّر فيه مسلسل “صراع العروش” أكثر من كونها مكاناً شهد نزاعاً عنيفاً ودامياً استمرّ طوال عقود حتّى عام 1998.
وبعد مسلسل “إتش بي أو” الشهير هذا الذي توقف عام 2019، وفّرت المنطقة أيضاً مواقع لتصوير فيلمين هما “ذا سكول فور غود أند إيفل” و”ذا نورثمان”، اللذان عرضا على منصة نتفليكس عام 2022.
وصوّر في أيرلندا الشمالية أيضاً فيلم “دانجنز أند دراغنز: هونور أمونغ ثيفز”، ومن المقرّر أن يبدأ تصوير مسلسل “بلايد رانر 2099” في وقت لاحق من هذه السنة.
تضاف إلى ذلك مسلسلات وأفلام تدور حوادثها في أيرلندا الشمالية، على غرار “بلفاست” لكينيث براناه والمسلسل الكوميدي “ديري غيرلز” لليسا ماكغي، اللذين لقيا استحساناً عالمياً.
وقال المدير العام لمؤسسة نورذرن آيرلند سكرين، التي تتولى الترويج للقطاع، ريتشارد ويليامز: “من المحتمل أن يكون عدد الأشخاص الذين يعرفون أيرلندا الشمالية من خلال صراع العروش في العالم أكبر من أولئك الذين يعرفونها من خلال تاريخها المعقد”.
باتت أحواض بناء السفن، التي اشتهرت بها بلفاست في الماضي، تضع مساحاتها الواسعة في تصرف مخرجي الأفلام الواسعة الشعبية. وتضم هذه الأحواض استديوهات تايتانيك، التي تُعَّد من بين الأكبر في أوروبا، واستديوهات هاربور.
ولاحظ ريتشارد ويليامز أوجه شبه واضحة بين قطاعَي الإنتاج وبناء السفن، إذ يتطلب كلاهما “قدراً كبيراً من المهارات في البناء”، ويستلزمان “إنجاز الأمور في الوقت المحدّد واحترام الموازنة”.
وتوفّر الحكومة البريطانية إعفاءات ضريبية لهذا القطاع، وتسعى المقاطعة جاهدة إلى توفير أحدث تقنيات الاستديوهات.
وأبرمت جامعة ألستر في بلفاست شراكة مع المرفأ لتقديم الجيل التالي من الإنتاج السينمائي والتلفزيوني من خلال مشروع استوديو ألستر الجديد.
وهذا المجمع، الذي تبلغ كلفته 25 مليون جنيه إسترليني (نحو 31 مليون دولار)، يساعد في زيادة عدد الاستديوهات الكبرى في أيرلندا الشمالية أربعة أضعاف، بحسب مدير أكاديمية “ألستر سكرين” دكلان كيني.
وأكّد كيني أنّ الاستديوهات الجديدة توفر في المقاطعة “التكنولوجيا الأكثر تقدماً في مجال الأفلام والتلفزيون”، مضيفاً “لدينا قطاع يشهد ازدهاراً كبيراً ويضم أشخاصاً متحمسين”.
وتشكّل الجامعة والأكاديمية “خزان مواهب” للقطاع، إذ يعمل 900 طالب على المهارات الثلاثية البُعد، وعلى الإنتاج والتخصصات الأخرى المتعلقة بالقطاع.
وجذب صغر حجم أيرلندا الشمالية وتنوع مناظرها الطبيعية شركات الإنتاج، بحسب ناومي ليستون، مديرة مواقع التصوير في “ذا نورثمان” و”صراع العروش”.
وقالت: “العامل البالغ الأهمية هو أن الانتقال من الاستديو إلى الساحل الشمالي، وهو أحد أجمل الأماكن في المملكة المتحدة وأوروبا، يستغرق أقل من ساعة”. وأبرزت أنّ هذا الأمر “يساهم في تحقيق موارد مالية”.
وينعكس هذا النجاح في السينما والتلفزيون على قطاع السياحة أيضاً. ففي ذروة شعبية “صراع العروش” عام 2018، أفاد مجلس السياحة في ايرلندا الشمالية بأنّ المسلسل استقطب 350 ألف زائر.
وأوضحت أنّ هذه الحركة وفّرت للاقتصاد المحلي مداخيل بلغت 50 مليون جنيه إسترليني (نحو 62 مليون دولار).
وبات فليب روبنسون، الذي كان ممثلاً بديلاً في “صراع العروش”، ينظّم جولات لزيارة المواقع التي صور فيها المسلسل.
وقال: “كنا نعلم أن هذا الأمر سيستقطب السياح. كنا متحمسين جداً”، معرباً عن أمله في أن تكون لفوائد هذا النجاح المتزايد انعكاسات إيجابية واسعة على أيرلندا الشمالية. وأضاف: “الناس هنا سعداء بأن يكونوا مشاركين”.