القاهرة ـ خاص «سينماتوغراف»
بعد معاناة طويلة مع المرض، رحل المخرج الكبير رأفت الميهى عصر اليوم عن عمر يناهز «75 عاما» بمستشفى المعادى العسكرى التى بقى فيها نحو عام أسيرا لفراشه عقب أصابته بعدة جلطات فى المخ أقعدته عن الحركة والكلام، لتفقد السينما رجلها الذى أخلص لها فقد عرفته مؤلفا وكاتبا للسيناريو لعدد من الأفلام الهامة وخاصة تلك التى جمعته بالمخرج الكبير كمال الشيخ ومنها «غروب وشروق» و«شئ فى صدرى» ثم اتجه الى الاخراج وقدم عددا كبيرا من الأفلام التى اتسمت بأسلوب الفانتازيا، كما أنتج أغلب أفلامه وقام بتأجير استديو جلال وأنفق كثيرا على تجديده وتطويره وأنشأ بلاتوهات جديدة تحمل اسم نجمته الأثيرة سعاد حسنى وأستاذه المخرج الكبير كمال الشيخ، كما أنشأ أكاديمية لتعليم فنون السينما، وفى بداية رحلته المرضية كان الفنانون يتوافدون على زيارته ومنهم ليلى علوى والهام شاهين الا أن الزيارات توقفت مع تفاقم حالته المرضية ولم يعد يزوره الا زوجته السيناريست والمخرجة علا عز الدين التى نشرت قبل أيام صورا على الفيس بوك تضمها والميهى فى حفل زواجهما ودعت له بالشفاء حتى يحتفلا بعيد زواجهما، وخلال تكريمه بمهرجان الفيلم القومى الماضى لم يستطع الميهى الحضور وقامت زوجته باستلام درع تكريمه بدلا منه.
ومابين رحلته الفنية ورحلته مع المرض تتقاطع الرحلتان وتتوقف مسيرته السيينمائية عقب آخر أفلامه «شرم برم»، مشوار طويل قطعه الميهى فى محراب السينما يمكن تقسيمه الى مرحلتين، المرحلة الأولى اكتفى فيها بكتابة السيناريو والحوار لـ11 فيلما وفى المرحلة الثانية جمع بين التأليف والاخراج لـ12 فيلما، أما فى مجال الانتاج فقد أنتج 14 فيلما من بينها 12 فيلما من اخراجه.
الميهى مؤلفا لأهم الأفلام
كتب رأفت الميهى عددا من أهم الأفلام التى ظهرت خلال نكسة 1967 حيث كانت البداية بفيلم «جفت الأمطار» الذى كتب له القصة والسيناريو والحوار عن قصة لعبدالله الطوخى ولعب بطولته شكرى سرحان وسميحة أيوب، ثم جاءت نقطة انطلاقه مع المخرج الكبير كمال الشيخ الذى قدم معه أربعة من أهم الأفلام السياسية التى انتقدت بقوة فترة الحكم الناصرى وهى أفلام «شروق وغروب» عن قصة جمال حماد وبطولة سعاد حسنى ورشدى أباظة ومحمود المليجى، و«شئ فى صدرى» لرشدى أباظة وهدى سلطان، «الهارب» بطولة شادية وحسين فهمى وكمال الشناوى، و«على من نطلق الرصاص» بطولة سعاد حسنى ومحمود يس وجميل راتب.
وفى كتابه الذى صدر مواكبا لتكريمه فى مهرجان الفيلم القومى اختار مؤلفه الشاب «محمد عاطف» أن يكون عنوانه «رأفت الميهى .. رجل السينما» واصفا الميهى بأنه رجل السينما بلا جدال ويتوقف فى البداية عند رباعية الميهى وكمال الشيخ مؤكدا أنه لا يمكن فصل هذه الرباعية عن الظروف والحوادث الجسام التى شكلت تجربة جيل الستينات الذى ينتمى اليه الميهى من جهة، وعن السياق التاريخى لانتاج تلك الرباعية من جهة أخرى فبقدر ما أستشعره هذا الجيل منذذ نعومة أظفاره، قائمة على وطن يبنى من جديد، متحرر ومستقل يمتلئ أبنائه بالآمال والطموحات العريضة بقدر ماعاناه أيضا هذا الجيل من انكسار وتحطم للأمانى وتجرع لمرارة الهزيمة، ويصف عاطف هذه الرباعية بأنها بمثابة «بوابة عشتار سينمائية» – إن جاز التعبير – لمن يشأ التعرف على مختلف أطراف تجربة يوليو 52 فى شكل شخوص أو أنماط مجردة.
واذا كان الميهى قد بدأ مشواره السينمائى من خلال رباعية ذات صبغة سياسية فقد قدم أفلاما اتسمت بالتنوع سواء على الصعيد الاجتماعى أو السياسى أو الفانتازيا الساخرة التى غلفت أفلامه كمخرج، فكتب السيناريو لرواية «أين عقلى» عن قصة احسان عبد القدوس الذى سبق وكتب سيناريو روايته «شئ فى صدرى» ثم «الرصاصة لاتزال فى جيبى» من اخراج حسام الدين مصطفى و«الحب الذى كان»، و«غرباء» مع المخرج سعد عرفة ثم اتجه الى الفانتازيا فى أفلامه كمخرج.
التطور الطبيعى لعاشق السينما
ويتوقف محمد عاطف فى كتابه عند تحول الميهى الى الاخراج الذى عبر عنه المخرج فى بساطة بقوله «الحقيقة أننى لم أجد سببا واضحا لتحولى الى الاخراج، فقد شعرت اننى أريد أن أخرج، وذلك مثلما أريد أن أشرب أو أنام، لك أن تعتبره تطورا بيولوجيا، أنه تحول منطقى وعادل لرغبة ربما كانت بداخلى لامتلاك العمل بصورة كاملة، وتوالت وكانت البداية من خلال فيلم «عيون لاتنام»1981 الذى لعبت بطولته مديحة كامل أمام فريد شوقى والمأخوذ عن مسرحية يوجين أونيل «رغبة تحت شجرة الدردار» ثم «الافوكاتو» 1983 بطولة عادل امام ويسرا، و«للحب قصة أخيرة» بطولة يحى الفخرانى ومعالى زايد 1985 ثم اتجه للفانتازيا عام 1986 التى بدأها بفيلم «السادة الرجال» بطولة محمود عببد العزيز ومعالى زايد وهالة فؤاد وتوالت أفلامه «سمك، لبن، تمر هندى» لمحمود عبد العزيز ومعالى زايد 1988،«سيداتى آنساتى» 1989، «ميت فل» لاشرف عبد الباقى وشيريهان، «عشان ربنا يحبك» لداليا البحيرى ، و« شرم برم» الذى كان آخر أفلامه.
أزمة فيلمه «للحب قصة أخيرة»
«للحب قصة أخيرة» هو الفيلم الذى آثار ضجة كبيرة عند عرضه انتهت بتحويل الميهى وبطليه معالى زايد ويحى الفخرانى الى نيابة الآداب بسبب أحد مشاهد الفيلم الذى تدور أحداثه داخل جزيرة من خلال سلوى التى تتزوج من رجل يعمل بالتدريس وتكتشف انه مصاب بالقلب، فتلجأ للتبرك بالشيخ التلاوى والقديسة دميانة، يتفق زوجها مع طبيبه المعالج لكى يعلن شفائه تماما وايهام سلوى بأن ثمة خطأ فى التشخيص الاول وتعتقد أن ذلك بفضل الشيخ والقسيس، ثم يموت الزوج فتكفر بكل شئ وتصب غضبها على رموز الشعوذة، ورغم ان الفيلم يتناول قضيته فى قالب شديد الرقة والانسانية الا أن مشهدا واحدا جمع بين معالى ويحيى آثار ضجة كبيرة، وأعلن الفنانون رفضهم للموقف واعتبروا ذلك بمثابة عودة لمحاكم التفتيش، وقد تم حذف المشهد وإن بقى الفيلم ممنوعا من العرض التليفزيونى، والمفارقة ان نفس الفيلم حصل على جائزة خاصة فى مهرجان كارلو فيفارى.