خاص ـ «سينماتوغراف»
رغم رحيله في 27 يوليو 1980، إلا أن رشدي أباظة مازال يمتلك حضوراً طاغياً حتى الآن، ومازالت الفضائيات تعرض أفلامه بكثافة نظراً لإقبال الناس على مشاهدتها. الأعجب أن رجولته الباذخة التي فتنت البنات والسيدات في القرن الماضي، مازالت قادرة على إغواء الجنس الناعم في القرن الحالي، رغم تغير المقاييس العامة للرجولة، وانقلاب المزاج العام للمرأة، الأمر الذي يؤكد أن رشدي أباظة تحصن ضد الزمن وصارعه وانتصر عليه.
بدايات متواضعة
لم يحقق رشدي أباظة أي نجاح لافت منذ انطلاقته الأولى في السينما ولمدة تسعة أعوام تقريبا، فقد ظهر للمرة الأولى في دور صغير في فيلم (المليونيرة الصغيرة) عام 1948 للمخرج كمال بركات، ورغم أنه لم يكد يبلغ عامه الثالث والعشرين بعد (ولد في 1926)، أي أنه كان في عز شبابه، إلا أن الجمهور لم يستقبله بالتي هي أحسن، وهكذا هجر السينما فترة ذهب خلالها إلى إيطاليا ليجرب حظه مع السينما العالمية (تذكر أن والدته إيطالية، وأباه ضابط بوليس مصري من الشرقية يدعى سعيد بك أباظة)، لكن روما أيضا لم تعامله بما يتمنى، فعاد إلى القاهرة محاولا مرة أخرى إثبات الوجود.
نجوم هوليود
لا ينكر أحد تأثر السينما المصرية بما تقدمه هوليود تأثرا يبلغ أحياناً حد التطابق، من حيث الموضوعات المطروحة، أو من حيث الصورة التي يظهر بها النجوم على الشاشة، لذا لم يكن غريبا أن يسعى رشدي أباظة إلى تقليد النجمين روبرت تايلور وكلارك جيبل سواء في تصفيف الشعر أو شكل الشارب أو حتى في تهيئة جسده ليصبح رشيقا مفتول العضلات مثل هذين النجمين.
ومع ذلك لم يصب الهدف إلا عندما اختاره عز الدين ذو الفقار ليلعب دور البطولة في (امرأة في الطريق) عام 1958، ليصعد بذلك إلى الصف الأول، بعد أن ظل قرابة عقد ضائعا في ظلال الصفوف الثالثة والرابعة.
في هذا الفيلم تخلص من وسامته الزائدة وأناقته اللافتة، حيث لعب دور عامل في محطة بنزين على طريق شبه مهجور، فأتقن الأداء بشكل مدهش دفع المنتجين والمخرجين إلى الاطمئنان إليه، واختاروه لينضم إلى لائحة نجومنا المتميزين.
أدواره الخالدة
لم يعش رشدي أباظة طويلا، إذ ولد في 1926، ورحل في 1980، ومع ذلك فقد ترك لنا مجموعة معتبرة من الأفلام المتميزة التي قام ببطولتها، لعل أشهرها (الرجل الثاني) لعز الدين ذو الفقار، و(رحلة إلى القمر) لحمادة عبد الوهاب/ 1959 والذي يعد أول فيلم مصري عن الخيال العلمي، و(ملاك وشيطان) لكمال الشيخ، و( المراهقات) لأحمد ضياء الدين 1960، و(في بيتنا رجل) لبركات و(وإسلاماه) للمخرج الأجنبي اندرو مارتون 1961، و(الزوجة 13) لفطين عبد الوهاب 1962، و(لا وقت للحب/ 1963) لصلاح أبوسيف. و(غروب وشروق) لكمال الشيخ، و(الحب الضائع) لبركات 1970، و(شيء في صدري) لكمال الشيخ 1971.
لعلك لاحظت أنه تقمص شخصيات متنوعة ومتعددة الأبعاد، الأمر الذي جعله ليس رجلاً ذا مواصفات جسدية خاصة ونادرة تفتن النساء فحسب، وإنما ممثل محترف يدرك جيداً كيف يقتنص أبرز ملامح الشخصية التي يجسدها.
اللافت في سيرة رشدي أباظة أنه كان يجيد عدة لغات أجنبية إجادة شبه مطلقة، ومع ذلك لم يحقق حلمه باقتحام هوليود، رغم أنه اشترك في بعض الأفلام الأجنبية التي صورت في مصر مثل (وادي الملوك) مع روبرت تايلور، و(الوصايا العشر) مع المخرج العالمي سيسيل دي ميل كما تقول بعض المصادر.
الموقف النبيل
على أية حال… مات رشدي أباظة بعد صراع شديد مع المرض، ورفض أن يعالج على نفقة الدولة قائلا (لقد ربحت الكثير من مصر، ولتخصص الأموال المقررة لي لعلاج البسطاء). ورغم أنه كان يشارك في بطولة فيلم (الأقوياء) لأشرف فهمي، غير أنه مات دون أن يكمل دوره، وتولى الممثل صلاح نظمي تكملة الدور، حيث حرص المخرج على تصويره من زوايا بعيدة، بينما قام أحمد زكي بتقليد صوته. كما قيل آنذاك، وقد عرض الفيلم في 1982.
أجل.. سيبقى رشدي أباظة في وجدان أجيال جديدة.. يمتعهم ويسحرهم.