“أبوظبى السينمائى” يكرم “الإبن البار للجزائر”
من فرنسا الى أمريكا وبريطانيا يطرح قضايا بلاده وعروبته
رشيد بو شارب: أفلامى تحمل مشاعرى الشخصية
“سينماتوغراف” ـ الجزائر: وردة ربيع
كرم مهرجان أبوظبى فى دورته الثامنة المخرج الجزائرى الكبير رشيد بو شارب الذى يعد الأكثر حضورا في مهرجانات السينما العالمية، وقد تنقل بين فرنسا وبريطانيا وأمريكا ليطرح قضايا العرب من خلال أفلامه التى إرتبطت بالقيم الإنسانية وكان ولا يزال حريصا كل الحرص أن يكون تمثيلها العالمي مرتبطا بوطنه، فهو الإبن البار للجزائر (من مواليد ولاية مغنية بأقصى غرب الجزائر العاصمة) التي طالما حضرت في أعماله سواء من خلال حصر حقبة معينة من تاريخ الجزائر، أو من خلال العلاقات الفرنسية – الجزائرية التى شغلت حيزا فى رؤيته وأفلامه.
(3) رقم الحظ !
بوشارب هو المخرج الذي يعمل غالبا وفق مخططات مسبقة فبمجرد أن ينهي عملا، حتى يهيئ الجو للتركيز على مشروع قادم، ويعد الرقم ثلاثة من عناصر نجاحه إذ عادة ما يفتح موضوعا ويقدمه في ثلاثة أجزاء يربطها خيط واحد . بادئا بالتعرض لموضوعات الهجرة، والعلاقات الفرنسية – الجزائرية، في فيلمي “الأهالي” أو “الأنديجان” سنة 2006، ثم “الخارجون عن القانون” سنة 2010 والفيلمان يندرجان ضمن سياق مقاربة حقبة معاصرة من تاريخ الجزائرولن تكتمل هذه المقاربة إلا من خلال استكمال الثلاثية بمشروع فيلم ثالث والذي قال عنه أنه سيتناول أيضا موضوع “الهجرة”. وسيتطرق فيه لتاريخ المهاجرين في فرنسا، بصفة عامة، مع تخصيص حيز لطرح الإشكاليات التي تمس المهاجرين ذوي الأصول المغاربية ،لكن يبدو أن الرياح تأتى بما لا تشتهي السفن، ورياح فرنسا التي هبت على بوشارب ستؤجل إستكمال الثلاثية الأولى إلى أجل غير معلوم. فالضجة التي أحدثها فيلم “الخارجون عن القانون” وتعرضه لهجوم حاد من قبل اليمين الفرنسى الذى اتهمه بالنبش في تاريخ فرنسا.
بوشارب خارجا عن القانون!
وقد لاقى فيلم ” الخارجون عن القانون ” جملة من الاعتراضات والهجوم قبل وبعد عرضه بمهرجان كان السينمائى، دفعت بوشارب لتوجيه رسالة إلى مهرجان “كان” جاء فيها :
على مدى الأسابيع الثلاثة المنصرمة، برز جدل بشأن فيلم ” خارجون عن القانون” الذي سأقدّمه في المهرجان، غير أن الأشخاص الذين يشاركون في إثارة هذا الجدل لم يشاهدوا الفيلم بعد. وعليه، وسعيا مني إلى تهدئة الأوضاع، يجب أن أذكر أمرين هامين أولهما أنه فيلما خياليا يروي قصّة ثلاثة إخوة جزائريين وأمّهم على مدى أكثر من ثلاثين سنة، من منتصف ثلاثينيات القرن الماضى وحتى استقلال الجزائر في 1962.” وثانيا فانه “يجب أن تتناول السينما المواضيع كلها.و أنا أضطلع بدوري كمخرج سينمائي وأضفي على عملي الفني مشاعري الشخصية ولا ألزم أحدا على مشاطرتها ويجب إرساء حوار عام بشأن الموضوع المثار، ومن الطبيعي ألاّ يشاطرني الجميع الرأي، ولكنني أتمنى أن يتم التعبير عن الآراء المختلفة في الجو السلمي والهادئ الذي يميّز كل حوار خاصة فى فرنسا التى تعد في العالم بأسره أرضا لحرية التعبير وأنا فخور بتقديم فيلمي في أكثر المهرجانات شهرة، مهرجان “كان”. أتمنى أن يُجرى عرض الفيلم في جو هادئ يميّزه الاحترام المتبادل.
وفى هذا الفيلم يذهب بوشارب إلى معادلة أخرى تخلق كثيرا من المواجهة بين ما هو مقاومة وما هو إرهاب وتطرف، بل أن الفيلم يدين قيام البوليس الفرنسي بتشكيل وحدات إرهابية لمواجهة تحرك عناصر جبهة التحرير الوطنية الجزائرية، والذين كانوا يعملون من داخل فرنسا لدعم الثوار في الجزائر بالمال والسلاح. عبر حكاية درامية محبوكة بإتقان، تصور علاقات المهاجرين الأوائل، وإنتماءات كل منهم، والرغبة في فهم العلاقة مع الأرض والوطن. وهنا تتفجر الكثير من الأسئلة التى تحيل المشاهد الى ممارسات الجيش والداخلية الفرنسية، ثم التفجيرات والإغتيالات ومن قبلها التهجير من الأراضي.
“أنديجينا” أو “الأهالي” يعيد حقوق الجزائريين
أما “الأهالي” فهو فيلم حربي تاريخي على خلفية العلاقات العربية – الافريقية – الفرنسية، وهو وثيقة تاريخية حية عن الدور الذي قام به العرب والأفارقة في حرب تحرير فرنسا،إبان الحرب العالمية الثانية، ضد الاحتلال والغزو الالماني النازي وقد جمع الفيلم عددا بارزا من نجوم السينما الجزائرية والمغربية والفرنسية ومنهم “جمال دبوز”، و”سامي ناصري” و”رشدي زام” و”سامي عجيبة” و”برنارد بلانسان” و”ماثيو سيمونيه”،، ويأخذنا الفيلم بحرفية عالية إلى عوالم الحرب الثانية. مركزا على التضحيات التي قام بها الجنود القادمون من شمال إفريقيا لتحرير فرنسا من الإحتلال وهى زاوية ظلت مغيبة، لأن الكثير من صناع الإعلام في فرنسا كانوا يروجون على أن تلك التضحيات، هي جزء من الإنتماء إلى الفرانكفونية، وأسطورة فرنسا العظمى بينما أشاد كثير من النقاد الفرنسيين المحسوبين على اليسار بمستوى العمل واعتبروه وثيقة جاءت لتنير فترة تاريخية حاسمة لطالما تناستها فرنسا.ولعل ابرز نتائج العمل صدور الكثير من التشريعات والقوانين، فقد إصدر الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك قراره برفع قيمة التعويضات الشهرية التي يتقاضاها المحاربون العرب والأفارقة القدماء كي تتساوى مع غيرهم من الفرنسيين.ناهيك عن الجوائز التي حصدها العمل سينمائيا، كدعوة لجنة التحكيم الدولية لمهرجان كان السينمائي الدولي، إلى منح عناصر التمثيل في الفيلم جائزة أفضل تمثيل رجالي ، كما منح الفيلم دفعة قوية للترشيح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي.
لندن ريفر أو السينما الإنسانية
وفى فيلمه “لندن ريفر” أو “نهر لندن”، حرص بو شارب على تقديم نسق سينمائي مختلف يوضح طبيعة العربي كمخلوق انساني متسامح ففي خضم أعمال الإرهاب والتطرف التي إجتاحت العاصمة البريطانية منذ أربعة أعوام، ترصد كاميرا المخرج معاناة وألم كثير من الشخصيات البريئة. ويأخذنا لحكاية إمرأة بريطانية تظهر في حالة قلق عن إبنتها، لتسوقها الأقدار للإلتقاء برجل إفريقي يتقاطع معها في كثير النقاط أهمها أنهما يشتركان في حالة القلق على مصير إبنيهما. ويدور الحوار بين البريطانية البيضاء، والإفريقي الأسود المسلم في بناء سردي عميق فيه من الإنسانية الشيء الكثير.
Just like a woman الأول في أمريكا
شدّ بوشارب الرحال لأمريكا وكشف أنه سيتطرق إلى موضوع أخريكشف فيه عن نظرة الأمريكين للمسلمين قائلا: “أهدف إلى فتح النقاش حول نظرة الغرب للإسلام”. وبذا سيقدم جزءا ثانيا وثلاثية أخرى عن العلاقة بين الإسلام وأمريكا. وكانت البداية بفيلمه ” مثل امرأة أو just like a woman” الذي ساهمت دولة قطر في تمويله وشاركت فيه الممثلة الأميركية البريطانية المعروفة سيينا ميلر (بطلة فيلم كازانوفا 2005) والممثلة الإيرانية كلشيفته فرهاني، التي لعبت مؤخرا دور البطولة في فيلم “حجر الصبر” للأفغاني عتيق رحيمي. يركز “مثل امرأة “، على شخصيتي الممثلتين “سيينا ميلر”، و”كلشيفته فرهاني”. ويتناول قصة راقصة شرقية تعيش في الولايات المتحدة الأميركية، متعلقة جدا بثقافتها العربية وبموروث أجدادها، وتحاول جاهدة التعبير والدفاع عن هويتها وعن اختلافها وتسافر مع راقصة أمريكية من شيكاغو إلى “سونتا في” للمشاركة في مسابقة للرقص، يضع بوشارب المرأتين على الطريق الأسطوري لـ”سونتا في” ويقربهما من قبائل هنود “بويبلوس” و”الأباشي”، مستنكرا في الوقت نفسه معاداة الإسلام وعدم التسامح تجاه النساء في الطبقة المتوسطة الأمريكية.
“قانون بيل” ثم “طريق العدو” وأخيرا “رجلان في المدينة”
الجزء الثاني من ثلاثيته الأمريكية جاء من خلال فيلم “إينمي وي””طريق العدو” الذى حمل عنوان “قانون بيل” فى البداية ثم حمل أخيرا عنوان “رجلان في المدينة”. وقد جمع فيه بين موضوعي معاداة الإسلام، وإضطهاد المهاجرين، وإعتمد في كتابة السيناريو المقتبس من فيلم “رجلان في المدينة”، الذي أخرجه جوزي جيوفاني سنة 1973، على كل من”باوليفييه لوريل”، والكاتب “ياسمينة خضرة”. ويعتبر الجزء الثاني من ثلاثيته الخاصة برؤية العالم الإسلامي والعربي من قبل الولايات المتحدة، فقد تم تصويره في ضواحي نيو مكسيكو الأمريكية، وتدور أحداث الفيلم المصنّف ضمن الأفلام البوليسية حول حكاية سجين أمريكي أسود يدعى غارنيت يطلق سراحه من السجن بعد 18 سنة، فيقرر إعتناق الإسلام، ويؤدي دور البطولة الممثل الأمريكي الكبير فوريست وايتكر، ويعالج الفيلم فكرة إندماج المسلمين في الولايات المتحدة.
بوشارب وياسمينة خضرا الإبداع المتواصل
ويبدو أن قناعة بوشارب بأعمال صاحب “فضل الليل على النهار” -ياسمينة خضراء- كبيرة ، خاصة إذا علمنا أنه أسند إليه كتابة نص مشروع سينمائي جديد تحفظ بوشارب عن ذكر عنوانه لكنه قال: “هو فيلم بوليسي سيتم تصويره في كوبا”.وفي إنتظار أن يستكمل بوشارب ثلاثتيه بأعمال سينمائية، تضيف لرصيده الفني وتضاف كمرجع سينمائي جزائري وعربي وعالمي.
ما يعيشه الوطن العربي اليوم سيمنح السينما الكثير
بوشارب الذي يؤمن بالقدرات الشبابية يدعو في كل مرة المبدعين السينمائيين الشباب الى ضرورة العمل على إبراز خصوصيتهم، والوثوق في خياراتهم، والدفاع عن هويتهم كما كما يؤمن بأن ما يجري اليوم في الوطن العربي من حراك،سوف يساهم في إمكانية تحرير العقول والإبداع. وإخراج المجتمعات من حالة الانغلاق التي عانت منها طويلا. وأن هذا سوف ينعكس ايجابيا على فن السينما وكما يقول أن “الخروج من حقبة لأخرى سيمنح السينمائي مادة مهمة من الأفكار و الحكايات التي يمكن سردها سينمائيا.”