كشف عن عشقه لعالم الأطفال على هامش «القاهرة لسينما الطفل»
القاهرة ـ «سينماتوغراف»: انتصار دردير
ثلاثة أفلام قصيرة كشفت عن عشقه لعالم الطفولة وكأنه لم يبارحها، حاملا هموم الطفل العربى من المحيط الى الخليج ، بكل مايعانيه من فقر وظلم يسرقان طفولته، وما يتعرض له الطفل الفلسطينى من تهديد وخوف فى ظل احتلال يطلق غاراته بلا هوادة.
وفى احتفالية خاصة بفلسطين أقامها مهرجان سينما وفنون الطفل، كان المخرج رشيد مشهراوى هو نجمها بما قدمه من أفلام عن أطفال غزة وعن عمالة أطفال العراق، رحبت الناقدة السينمائية نعمة الله حسين التى أدارت اللقاء بالمخرج الفلسطينى، معبرة عن سعادتها لمشاركته بمهرجان الطفل ومؤكدة عن ثمة علاقة انسانية تربطها به منذ قدم فيلمه الروائى الأول «حتى اشعار آخر»، مشيرة الى أن مشهراوى ليس مهموما بقضية بلاده فقط بل بقضايا الوطن العربى وهمومه.
وعلق مشهراوى بسعادة على الحضور الكثيف من الأطفال قائلا :اسمحوا لى أن نعرض 3 أفلام قصيرة وبعدها نتناقش اذا أردتم، وقبل عرض الأفلام كان هناك فيلما قصيرا أعده المهرجان عن مشوار مشهراوى، الذى أخرج نحو 30 فيلما مابين روائى وتسجيلى وطويل وقصير، وهو أول من عمل على انجاز سينما بالأراضى المحتلة، وصاحب أول فيلم فلسطينى يشارك بمهرجان كان، وقد أسس مهرجانا للأطفال بفلسطين، وأسس مركزا سينمائيا فى رام الله، مستعرضا أفلامه الروائية الست وهى (حتى اشعار آخر، حيفا، تذكرة إلي القدس، انتظار، عيد ميلاد ليلي، وفلسطين استريو)، وانتهى الفيلم بمقولة يؤمن بها مشهراوى ويرددها كثيرا «السينما وطن لايستطيع أن يحتله أحد».
وعرض فى البداية الفيلم القصير «رسالة من أطفال غزة» الذى ترك فيه العنان للأطفال ليعبروا عن همومهم وأحلامهم فى لوحات فنية نابضة بالحياة تحركها الكاميرا فتتحول الى لوحات ناطقة بكل مشاعرهم البكر، ويهدى فيلمه الثانى «الى ياسر عرفات، تحية طيبة»، ويتجول بكاميرته يسأل الأطفال عن رأيهم فى ياسر عرفات وكيف يرونه، وتتوالى إجاباتهم بكل تلقائية عن كونه زعيم حقيقى وقائد مخلص لبلاده، تقول طفلة «كانت أيامه أفضل، الآن نشهد خلافات بين فتح وحماس تحتاج مائة سنة حتى تحل، ويقول آخر كانت أمى تبكى يوم وفاته ولم أكن أفهم وأدركت بعدها أنه كان قائدا كبيرا، وتقول طفلة أخرى: كانت اسرائيل تخشاه لكنهم قتلوه بالسم.
وفى ثالث الأفلام «حوراء» يذهب بكاميرته الى بغداد غير عابئ بتحذيرات أصدقائه من الوضع غير المأمون بها، اذ كان عليه آلا يغادر غرفته بالفندق مساء، متبعا تعليمات أمنية حتى لايتعرض لسوء، ويبدأ كل صباح رحلة بحث عن عمالة الأطفال ويلتقيهم فيجدهم يعملون فى مهن شاقة مثل بيع البنزين، وصاروا مهمومين قبل الاوان بمهمة البحث عن عمل يضمن لقمة العيش لأسرهم .
وفى الندوة التى عقدت بعد عرض الأفلام القصيرة والتى حضرها بعض أعضاء الجالية الفلسطينية بالقاهرة والسيدة حرم سفير فلسطين، وناجى الناجى مدير المركز الثقافى الفلسطينى بالقاهرة، والمخرج المغربى محسن بيسرى، وعلقت الكاتبة نعمة الله حسين حول ماذكره مشهراوى بأن «السينما وطن لايستطيع ان يحتله أحد»، قائلة ان قلب مشهراوى محتل بحب الأطفال فى العالم العربى كله، ويكفى أنه صاحب فضل فى ظهور صورة فلسطين فى المهرجانات العالمية، وهو فى كل الظروف لم يفقد انسانيته أبدا.
وتحدث مشهراوى قائلا : أنا أبسط بكثير مما قالوه عنى، وبالنسبة للأطفال العرب فقد أعطيتهم جميعا جنسية واحدة، لكنى أشعر بخيبة أمل من مؤسسات تتحدث عنهم أمام الكاميرات ثم لاتفعل شيئا من أجلهم، لقد تعاملت مع الأطفال فى مصر وفلسطين والعراق والمغرب، وفى مصر مثلا شرائح كبرى فى المجتمع ترى فى عمالة الأاطفال شيئا عاديا، فصاحب الورشة يضرب الطفل بمباركة والده، أنا أطرح المشكلة وأنبه اليها لكن الأفلام لاتحل المشاكل، وحينما كنت أصور هذه الأفلام خشيت من المستقبل لأن هؤلاء الأطفال هم المستقبل.
وتطرق مشهراوى للحديث عن طفولته قائلا: «ولدت عام 1962 بمخيم الشاطئ للاجئين ولم أر يافا بلدتنا وليس عندى ذاكرة سوى ليالى نكسة 67 حين كانت البيوت تنفجر وجندى مدجج بالسلاح يدخل الى المعسكر ويضربك وانت نائم ويسلط كشافا على عينيك، وقتها اعتقدت أن العالم مبنى من الجنود الاسرائيليين والأطفال فقط، لكننى مدين للسينما فقد منحتنى شيئا صعبا، وجعلتنى أتحمل عبء الاحتلال، وبقدر مانعمل فيها سنظل مدينين للسينما فقد صارت الأرض التى نمشى عليها».
وتحدث أحد الحضور من الفلسطينين مؤكدا أن أفلام رشيد مشهراوى تحمل بعدا انسانيا يفرض نفسه بقوة مشيدا بأسلوبه فى تقديم الطفل الفلسطينى ليس كضحية وانما قادرا على الفعل فيكون بمثابة أكبر تحفيز للأطفال، ورد مشهراوى بأنه لابد أن نرى أطفالا تفكر وأننى أحب أن أرى الفلسطينى فعل وليس رد فعل.
وحول كيفية تعامله مع الأطفال خلال التصوير أكد رشيد أنه يحب المعايشة موضحا «طلب منى ذات مرة عمل فيلم عن الأطفال اللاجئين فى هولندا فطلبت معايشتهم ثلاثة أسابيع، واكتشفت أنهم كان ينقصهم الحنان، وأنا أريد أن أصور حياة وليس أشخاصا، الحياة تكون فى نظرة العين، وانا معنى بالصورة فى أفلامى حتى أن فيلمى «توتر» يدرسونه فى جامعة هارفارد كنموذج على ايحاء الصورة، فالحكايات فى الناس، والمشاعر فى البشر، والانسان أهم من الفيلم».
وحول مشروعاته السينمائية الجديدة أكد أنه يستعد لتصوير فيلم روائى طويل بعنوان «الكتابة على الثلج» عن مدينة غزة، وسيلعب بطولته جمال سليمان وأضاف قائلا: أنه يسعى لتحقيق انتاج عربى مشترك فى فيلمه القادم ولديه منتجا أردنيا، وفلسطينى، وتونسى ومغربى ومصرى، ولو استطعت تحقيق ذلك أكون قد حققت انجازا كبيرا للسينما.