حلقات يومية يكتبها ناصر عراق لـ «سينماتوغراف»
فاتن حمامة تمثل فيلم «أرض السلام» باللهجة الفلسطينية
المصريون يشاهدون أفلامًا عن تأميم القناة وحرب بورسعيد ويستمتعون بمطاردة «المتهم» في رمضان 1957
ربما هي المرة الأولى التي تستجيب فيها السينما المصرية إلى حدث سياسي كبير بهذه السرعة، فجمال عبد الناصر أعلن تأميم قناة السويس في يوليو 1956، والعدوان الثلاثي على مصر اشتعل في أكتوبر من العام نفسه، وفيلم (بورسعيد) الذي يتناول التأميم والمعركة عرض في 8 يوليو من العام التالي أي 1957!
هذه السرعة العجيبة في الاستجابة للحدث السياسي تعود في المقاوم الأول إلى أن نظام يوليو أدرك الدور الجوهري للسينما في لحظات الحشد والتحولات الثورية، فراح يدعم صناع السينما الذين يرغبون في تقديم أعمال تشرح وتؤيد وتبارك النظام السياسي الجديد، وأذكر أن فريد شوقي منتج فيلم بورسعيد (لاحظ أنه أطلق على شركته اسم العهد الجديد تيمنا بنظام يوليو).. قال في أحد حواراته التلفزيونية إن جمال عبد الناصر أيد بقوة فكرة إنتاج فيلم عن معركة بورسعيد.
هناك جانب آخر دفع السينما المصرية إلى الاهتمام بالشأن السياسي المباشر وهو غزارة الإنتاج السينمائي الغربي الذي يستعرض أجواء السياسة – هوليود تحديدًا – إذ عكف صناع السينما هناك على إنتاج عشرات الأفلام التي تتناول جوانب مهمة من الحرب العالمية الثانية وما صاحبها من وقائع وأحداث وبطولات. وأنت تعرف هوس السينما المصرية بما تقدمه هوليود، وسعيها الدائم إلى تقليدها من أول الموضوعات حتى طرق تصفيف شعر النجوم والنجمات!.
لكن أرجو ألا تظن أن اهتمام السينما المصرية بالشأن السياسي الجاري يعني ارتفاع معدل الإنتاج ومن ثم المعروض، فهذا لم يحدث للأسف، إذ لم يزد عدد الأفلام المعروضة في عام 1957 عن تلك التي شاهدها الجمهور في العام السابق وهو 39 فيلمًا فقط لا غير، علمًا بأن المصريين استمتعوا بمشاهدة 68 فيلمًا جديدًا في سنة 1954! وأغلب الظن أن هذا التراجع في الإنتاج يعود في المقام الأول إلى اضطراب الأوضاع السياسية وانشغال الناس بالهم الوطني ومقاومة العدوان الثلاثي الذي شنته انجلترا وفرنسا وإسرائيل على بور سعيد إثر تأميم القناة.
المتهم.. وأرض السلام
صادف اليوم الأول من شهر رمضان الكريم بداية شهر أبريل عام 1957، وفي ذلك اليوم تحديدًا عرض فيلم (المتهم) للمخرج كمال عطية وتقاسم بطولته محمود المليجي وشريفة ماهر وعلوية جميل، وهو فيلم اجتماعي عن مقامر ومشكلاته في المجتمع. أي أنه فيلم ليس له علاقة بما يحدث من عواصف سياسية خارج صالة العرض.
أما فيلم (أرض السلام) للمخرج كمال الشيخ فقد عرض قبل رمضان وبالتحديد في 18 فبراير 1957، وهو فيلم سياسي بكل معنى الكلمة، حيث يتناول قصة شاب مصري – عمر الشريف – يتسلل إلى أرض فلسطين التي تحتلها إسرائيل ليقوم بعملية فدائية، لكنه يصاب فتنقذه أسرة فلسطينية وتخفيه عن عيون جيش الظلام، ثم تنشأ قصة حب بين الفتاة الفلسطينية – فاتن حمامة – وهذا الشاب لينتهي الفيلم بعمل فدائي كبير يشارك فيه المصري والفلسطيني!.
فيلم بورسعيد
لا أعرف إن كنت تعرف أن التلفزيون الرسمي المصري توقف عن بث عرض فيلم (بور سعيد) في زمن السادات ومبارك أم لا؟ لكن ما أعلمه أن الفيلم الذي أخرجه عز الدين ذو الفقار وعرض للمرة الأولى في سينما ريفولي في 8 يوليو 1957 يعد وثيقة فنية صافية تشهد بنضال الشعب المصري – وفي القلب منه أهالينا في بور سعيد – ضد غدر دول ثلاث لا تريد لمصر أن تنهض وتستقل. ويبدو أن تحالفات السادات ومبارك مع إسرائيل وأمريكا دفعهما لأن يحاولا طمس أي ذكرى وطنية طيبة من وجدان الأجيال التالية بكل أسف فمنعا عرض الفيلم!
يبقى أن تتذكر أن عام 1957 شهد عرض أفلام مهمة مثل (الفتوة/ رد قلبي/ الوسادة الخالية/ تمر حنة/ سجين أبو زعبل) وهي أفلام ما زالت تمتع الملايين.