حلقات يومية يكتبها ناصر عراق لـ «سينماتوغراف»
شهد أول فيلم سينما سكوب ألوان لعبد الحليم حافظ
الإنتاج السينمائي يتراجع بقوة والمصريون يستمتعون بفريد الأطرش وصباح في رمضان عام 1956
يبدو أن التحولات السياسية الكبيرة تؤثر بالسلب على الإنتاج السينمائي، بمعنى أن الاضطرابات الاجتماعية أو التغييرات الجوهرية في هرم السلطة أو إعادة توزيع الثروة القومية بقرارات ثورية.. كل ذلك يدفع صناع الأفلام إلى التريث والتهمل، فتتوقف الكاميرات وتغلق الاستوديوهات، أما المنتج السينمائي فيتقوقع داخل ذاته.. مرتعبًا من المغامرة.. خائفا على أمواله، وليس لي تفسير في التراجع الكبير للإنتاج السينمائي المعروض في عام 1956 سوى أن مصر تعرضت لوقائع وأحداث سياسية بالغة الخطورة في الفترة الأخيرة.
أنت تعرف أن المصريين طردوا الملك فاروق في 1952، وألغوا الملكية وأسسوا الجمهورية في 1953، وحاول الإخوان اغتيال عبد الناصر في 1954، وأسهمت مصر في تأسيس حركة عدم الانحياز بمشاركتها الفعالة في مؤتمر باندونج في 18 أبريل 1955، حيث أعلن عبد الناصر ونهرو وتيتو انحيازهم لبلدان العالم الثالث ومقاومتهم للاستعمار، ناهيك عن قوانين الإصلاح الزراعي التي حددت سقف ملكية الأرض الزراعية.
هذه الأحداث الجسام كان لها أثر مباشر على تراجع الإنتاج السينمائي في عام 1956 ، حيث بلغ 39 فيلمًا فقط، في حين أن العام الماضي 1955 كان المعروض 45 فيلمًا، وفي عام 1954 وصل العدد إلى 68 فيلمًا!
ازاي انساك
استقبل المصريون أول أيام شهر رمضان المبارك في 12 أبريل من عام 1956، وقبل بدايته بثلاثة أيام – أي في 9 أبريل – عرض فيلم (وهبتك حياتي) للمخرج زهير بكير وبطولة صباح وشكري سرحان وعمر الحريري، ويبدو أن الفيلم ظل معروضا في الأيام الأولى من الشهر الكريم، لكن في 18 رمضان – 30 أبريل – هرع الجمهور لمشاهدة صباح مرة أخرى وهي تشارك فريد الأطرش فيلم (إزاي أنساك) للمخرج أحمد برخان!
في كلا الفيلمين نرى صباح في تألقها المعتاد، فهي ترتدي من الثياب أفخمها وأكثرها أناقة، فالفساتين قصيرة أو طويلة، وذراعاها مكشوفتان دون ابتذال. كما أنها تصفف شعرها بطريقة لافتة وجميلة، لكن الفيلمين لا يناقشان من قريب أو بعيد أي حدث من الأحداث الجسام التي تشهدها مصر، وإنما تدور الأحداث في أجواء صراعات العشاق وحرائق الغيرة ومكائد الأشرار، ويبدو أن إقبال الناس على مشاهد هذه النوعية من الأفلام يندرج تحت باب التسلية في المقام الأول، والفرار من ضغوط الواقع وتحولاته!
شباب امرأة
من أهم أحداث عام 1956 سينمائيًا عرض فيلم (شباب امرأة) في 6 يناير لصلاح أبوسيف وقد عرض في القائمة الرئيسية لمهرجان كان السينمائي في العام نفسه (ترأس الوفد المصري في المهرجان الكاتب الكبير يحيى حقي)، وهو فيلم مازال يمتلك القدرة على إمتاع الناس وجذب انتباههم، نظرًا لأنه عمل جيد الصنع، من حيث الحبكة والأداء والإخراج، وبرغم أن أبوسيف ينحاز سياسيًا إلى قوى اليسار التي تقف ضد الاستعمار إلا أنه لم يقدم في ذلك العام – 1956 – أي فيلم عن الأحداث السياسية الملتهبة التي تمر بها مصر.
لكن يظل هذا العام يحمل ذكرى عرض أول فيلم سينما سكوب/ ألوان، وهو فيلم (دليلة) للمخرج الرائد محمد كريم وبطولة عبد الحليم حافظ وشادية، صحيح أن الفيلم لم يحقق النجاح المأمول، إلا أن تقنية السينما سكوب عرفت طريقها إلى الشاشة المصرية بعد أن ابتكرتها السينما العالمية.
هكذا إذن تتكشف لنا طبيعة العلاقة بين السياسة والسينما، وكيف تنزوي السينما وتتضمحل إذا اشتعلت السياسة واضطربت الأوضاع، وهكذا أيضا لم يتوقف المصريون عن ارتياد السينما والاستمتاع بمشاهدة صباح وشكري سرحان وشادية وتحية كاريوكا وعبد الحليم وفريد!.