رمضان والسينما في ثلاثين عاما (الحلقة 14 من 30)

حلقات يومية يكتبها ناصر عراق لـ «سينماتوغراف»

إعلان الجمهورية يفتح «نفس» المصريين لمشاهدة السينما بكثافة!

الملايين يطاردون فاتن حمامة وعماد حمدي وفريد شوقي في رمضان 1953

 

هل تعلم أن عام 1953 يعد ثاني أكثر الأعوام غزارة في عدد الأفلام الجديدة التي عرضتها الشاشة البيضاء بامتداد القرن العشرين! حيث شاهد المصريون 63 فيلمًا جديدًا في ذلك العام، بزيادة أربعة أفلام عن العام الذي سبقه، إذ استضافت دور العرض 59 فيلمًا في سنة 1952. أما أكثر الأعوام التي تم فيها عرض أفلام جديدة طوال القرن العشرين فهو عام 1954، حيث شاهد المصريون 68 فيلمًا في ذلك العام، وسوف نتحدث عنه في الحلقة المقبلة.

لماذا ازداد الإنتاج والمعروض في عام 1953؟

في ظني أن السعادة التي انتابت المصريين من جراء زوال أسرة محمد علي وطرد الملك فاروق هي السبب الأهم في زيادة إقبال الناس على السينما، فالاهتمام بالفن يعني الإقبال على الحياة.. والانشغال بالسينما يثبت أن الأمل في مستقبل مشرق صار يغذي صدور الناس وأرواحهم. خاصة وأن ثوار يوليو اتخذوا من القرارات المهمة ما يجعل الناس تصدق أن القادم أحلى، (الإصلاح الزراعي وإلغاء الألقاب على سبيل المثال).

لقطة من فيلم حكم الزمان

 

أفلام اجتماعية

لن تغير السينما المصرية جلدها أبدًا، ولن تقتحم المحظور إلا في النادر، وستظل سينما محافظة تخشى مناقشة القضايا الشائكة واقتحام الممالك السياسية المحرمة، فبعد أن قام الضباط الأحرار بطرد الملك فاروق والقضاء نهائيًا على أسرة محمد علي، لم تسع السينما – ولم تحاول – أن تتناول هذا الموضوع في 63 فيلمًا جديدًا أنتجتها وعرضتها في 1953!.

وحين هل هلال رمضان الكريم في 15 مايو من ذلك العام، أسرع المصريون إلى مشاهدة فيلم (حكم الزمان) لبركات الذي عرض قبل بداية رمضان بثلاثة أيام فقط، وهو بطولة نور الهدى وعماد حمدي وماجدة، والفيلم مغرق في الميلودراما، حيث يتناول قصة غرام ملتهبة تعترضها مكائد وألاعيب لتنتهي بتدخل القدر ليعيد الحبيب إلى حبيبته.

لقطة من فيلم اللقاء الأخير

لا شأن للسياسة ولا لصراعات الأحزاب ولا الملك المطرود بهذا الفيلم ولا بفيلم (اللقاء الأخير) الذي عرض في 17 رمضان الموافق الأول من يونيو 1953، والفيلم من إخراج السيد زيادة وبطولة عماد حمدي ومحسن سرحان وبدرية رأفت (ممثلة مصرية من أسيوط ولدت عام 1920 وتزوجت الممثل الفلسطيني بدر لاما، ورحلت عام 2009، وكان اللقاء الأخير فيلمها الأخير، كما تذكر المواقع الإلكترونية).

كالعادة يتناول الفيلم قصة اجتماعية تتكئ على الحب والزواج والمرض والمشكلات التي تواجه الحبيبين خاصة بعد ظهور عاشق يربك العلاقات!.

أما فيلم (حب في الظلام) فقد عرض في اليوم نفسه، أي في 17 رمضان، وهو من إخرج حسن الإمام، وما أدراك من حسن الإمام.. إنه المخرج المولع بالفواجع.. المفتون بالمصادفات.. المستسلم لألاعيب القدر، وهكذا شاهد الجمهور فاتن حمامة وهي تفقد بصرها لتتزوج من عماد حمدي – حيث تظن أنه قاتل المرابية – بينما أخوه فريد شوقي الشرير الدائم الذي لا تعرف الرحمة الطريق إلى قلبه هو القاتل، ونظل نتابع مشدوهين مصير هذه العلاقة خاصة وأن احتمال استعادة فاتن لبصرها مازال قائمًا، وآنذاك ستعرف من هو القاتل الحقيقي!.

لقطة من فيلم حب في الظلام

هكذا إذن غابت السياسة تمامًا عن أفلام 1953، وإذا كان صناع السينما قد تجرأوا وأنجزوا فيلمين عرضا في نهاية 1952 عن الاحتلال الإنجليزي، فإنهم عادوا إلى عادتهم القديمة في 1953، وقنعوا بأن يعرضوا على الناس أفلامًا جتماعية تسليهم، لكنها لا تثير التفكير، ومع ذلك فقد أقبل عليها الجمهور في رمضان وفي غير رمضان للبحث عن الترفيه في المقام الأول. ويبقى من هذه الأفلام أنها تعد خير نموذج يصوّر العصر الفائت بكل ما يحمل من عادات وسلوكيات وملابس وأسعار وتعبيرات ومفردات!.

ألم أقل لك إن السينما أجمل اختراعات الإنسان حتى لو لم تتحدث عن الملك فاروق أوالاحتلال الإنجليزي!.

Exit mobile version