رمضان والسينما في ثلاثين عاما (الحلقة 15 من 30)

حلقات يومية يكتبها ناصر عراق لـ «سينماتوغراف»

السينما المصرية تعرض أغزر إنتاج سينمائي في ذلك العام

المصريون يشاهدون 68 فيلمًا جديدًا ويستمتعون بأغنيات كارم محمود ونجاح سلام في رمضان 1954

 

يحتل عام 1954 أكرم ركن في تاريخ الإنتاج السينمائي المصري، لأنه شهد عرض 68 فيلمًا جديدًا في ذلك العام وهو أكبر عدد من الأفلام الجديدة التي تعرض في سنة واحدة بامتداد القرن العشرين!.

في اعتقادي أن هذه الزيادة في الإنتاج السينمائي تعود إلى عدة أسباب.. أولها أن السينما صناعة وفن، أي أنها منتج في حاجة إلى استقرار سياسي واجتماعي لكي يشهد الرواج المأمول، كما أنها فن مبهج يحتاج إليه المجتمع إذا شعر أفراده أن هناك أملا كبيرًا ينتظرهم في المستقبل!.

هذا ما كان بالفعل، فقد استوى ضباط ثورة يوليو على عرش مصر منذ منتصف يوليو 1952، واختفت أسرة محمد علي من الحياة السياسية إلى الأبد، كما لجأ الحكام الجدد – في حركة صبيانية – إلى تسويد صورة فاروق التي تظهر في خلفية المشاهد في الأفلام التي أنتجت في زمنه، ظنا منهم أنهم بذلك يمحونه من ذاكرة الأجيال المقبلة!.

العاشق المحروم

لم تتوقف السينما المصرية عن عزف موسيقى المشكلات الاجتماعية المعتادة، ولم تغامر وتتعرض للتحولات الرهيبة التي تحدث في مصر، وظلت تسير بجوار الحائط، فلا حديث عن السياسة ولا كلام عن الساسة!، وهكذا حقق المخرج السيد زيادة فيلم (العاشق المحروم) الذي عرض في 13 رمضان الموافق 16 مايو من عام 1954، إذ إن أول أيام الشهر الفضيل كان يوافق 4 مايو من تلك السنة.

تقاسم بطولة الفيلم أمينة رزق ومحسن سرحان وكمال الشناوي ومنسى فهمي، والفيلم يتناول قصة اجتماعية مغرقة في الأحزان وتقتات على المصادفات الساذجة، أما الفيلم الثاني الذي عرض في يوم 13 رمضان أيضا فهو (دستة مناديل) للمخرج عباس كامل وتقاسم البطولة كل من نجاح سلام وكارم محمود وإسماعيل ياسين، وهو يستعرض في قالب غنائي كوميدي المفارقات الطبقية بين الأثرياء والفقراء، مؤكدًا انحيازه إلى الفقراء لأنهم طيبون.. شرفاء.. بينما الأغنياء كاذبون.. أشرار.

لا يغيب عن فطنتك أن السينما تلعب دورًا بالغ الأهمية في تشكيل وعي الناس وذائقتهم، والسينما المصرية في مجملها تنزع نحو المحافظة وتثبيت الأوضاع القائمة، دون بذل أي جهد يفضح الظلم والتجبر، وأنت تعرف أن الفوارق الطبقية ازدادت بصورة مرعبة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، وفي محاولة لتحاشي غضب الفقراء حاول كثير من صناع الأفلام أن يخففوا عنهم ويواسوهم بحكايات تدغدغ مشاعرهم وتؤكد لهم أن حياتهم أشرف وأنبل، وأن الأثرياء مجرد حفنة من الخبثاء معدومو الضمير!.

على أية حال.. ارتاد المصريون السينما بكثافة في عام 1954، وشاهدوا آخر أفلام أنور وجدي قبل رحيله وهو (الأستاذ شرف) للمخرج كامل التلمساني وبطولة سميرة أحمد وقد عرض في 4 أكتوبر من ذلك العام، كذلك تابع المصريون الصعود المدوي لفريد شوقي، حيث شارك في بطولة عدة أفلام أهمها (جعلوني مجرمًا وأبو الدهب وخطف مراتي)، لكن أهم حدث سينمائي في ذلك العام تمثل في ظهور عمر الشريف للمرة الأولى على الشاشة، وذلك حين أسند إليه يوسف شاهين بطولة فيلم (صراع في الوادي) الذي عرض في أول مارس من سنة 1954.

أما نجيب محفوظ فقد عرضت له السينما قصة فيلم (الوحش) التي كتب لها السيناريو أيضا بمشاركة المخرج ضلاح أبو سيف، وقد شاهده الناس في 5 مارس 1954.

إن سنة 1954 كانت فاصلة في تاريخ السينما، ولم يحدث أن بلغ الإنتاج السينمائي المعروض هذا الكم على الإطلاق طوال 46 سنة بقيت من القرن العشرين!.

 

 

Exit mobile version