رمضان والسينما في ثلاثين عاما (الحلقة 16 من 30)

 حلقات يومية يكتبها ناصر عراق لـ «سينماتوغراف»

عبد الحليم حافظ يتألق على الشاشة بأربعة أفلام!

انخفاض الإنتاج السينمائي المعروض بنسبة الثلث والمصريون يشاهدون 45 فيلمًا فقط في عام 1955

 

عجيب أمر السينما المصرية، والأعجب منه المزاج العام للجمهور، ففي عام 1954 شاهد المصريون 68 فيلمًا جديدًا، منها ثلاثة أفلام على الأقل عرضت في شهر رمضان الكريم، أما في عامنا هذا 1955 فقد انخفض الإنتاج إلى 45 فيلمًا فقط، ولم يعرض أي فيلم في الشهر الكريم!.

ترى ما السبب؟

في اعتقادي أن الظروف السياسية والاجتماعية تلعب الدور الأهم في زيادة الإنتاج الفني أو انخفاضه، ومن ثم.. تتحكم هذه الظروف في المزاج العام للجماهير، الأمر الذي يجعل إقبالها على السينما مرتبطا أشد الارتباط بالأوضاع السائدة.

في 14 نوفمبر 1954 تم إقالة محمد نجيب من رئاسة الجمهورية وتحديد إقامته، كما شن نظام عبد الناصر حملة ضد الإخوان وقوى اليسار، ولا تنس أن هاتين القوتين – الإخوان واليسار – كانتا لهما دور بارز في الحركة السياسية إبان العهد الملكي، وإن كانت جماعة الإخوان اتسمت بالخبث والدهاء في موقفها من الملك والاحتلال، بعكس اليسار المصري الذي اتكأت مواقفه السياسية على الوضوح والصراحة والمطالبة بالاستقلال التام وإقامة العدالة الاجتماعية.

هذا الارتباك في هرم السلطة كان له أثر كبير لا ريب في مسألة غزارة الإنتاج السينمائي، وهكذا خشي صناع الأفلام من كساد تجارتهم فأحجموا عن إنتاج المزيد، وتوقفوا عن عرض أفلامهم في الشهر الكريم الذي هل هلاله يوم 23 أبريل من عام 1955.

عبد الحليم

برغم انخفاض عدد الأفلام الجديدة في تلك السنة إلا أنها سنة مختلفة في تاريخ الفن السينمائي إذ شهد الجمهور في ذلك العام للمرة الأولى المطرب الجديد عبد الحليم حافظ، بعد أن كانوا قد استمعوا إلى صوته فقط في عدة أفلام سابقة مثل (بائعة الخبز/ 1953)، و(فجر/ 1955)، حيث عرض فيلماه (أيامنا الحلوة) للمخرج حلمي حليم، و(لحن الوفاء) للمخرج إبراهيم عمارة في يوم واحد وهو السابع من مارس 1955.

بهذين الفيلمين تم تدشين عبد الحليم حافظ بوصفه آخر السلسلة الذهبية للمطربين الذين خاضوا عباب بحر السينما بعد عبد الوهاب وفريد الأطرش ومحمد فوزي وعبد العزيز محمود ومحمد عبد المطلب وكارم محمود، وسرعان ما استجاب جمهور السينما للوافد الجديد الذي أصبح في ظرف سنوات قليلة للغاية أهم وأشهر مطرب مصري وعربي في القرن العشرين.

حقق حليم نجاحًا مدهشا على الشاشة البيضاء، فطارده المنتجون وصناع السينما، حيث لعب الدور الأول في فيلمين آخرين في العام نفسه هما (ليالي الحب) للمخرج حلمي رفله وقد عرض في 15 أكتوبر 1955، أما فيلم (أيام وليالي) فقد أنجزه المخرج بركات وعرض في 5 ديسمبر من العام نفسه.

أفلام الثورة

قلت لك في حلقات سابقة إن السينما المصرية في أغلبها ذات اتجاه محافظ غير ثوري، وتبتعد قدر طاقتها عن الانغماس في شئون السياسة بوضوح، وها هي ثورة يوليو 1952 تقلب مصر رأسًا على عقب، ومع ذلك تختار السينما الوقوف بعيدًا عن هذا الحدث المهم لمدة تقترب من ثلاثة سنوات، حيث لم يتجرأ أحد على الاقتراب من المؤسسة العسكرية التي انطلق منها الضباط الأحرار ليسقطوا النظام الملكي سوى المخرج فطين عبد الوهاب حين حقق فيلم (إسماعيل ياسين في الجيش) الذي عرض في 23 يناير 1955، وهو يناقش للمرة الأولى الانضباط العسكري ودوره في تكوين الإنسان السوي.

أما الفيلم الثاني الذي يتناول بوضوح تنظيم الضباط الأحرار وفساد الملك فكان (الله معنا) للمخرج أحمد بدرخان وعرض يوم 14 مارس 1955. وهو فيلم يمجد حركة الجيش ويفضح العهد الملكي.

هذه هي حال السينما بعد ثلاثة سنوات من ثورة يوليو.

Exit mobile version