حلقات يومية يكتبها ناصر عراق لـ «سينماتوغراف»
التأميم والانفصال يؤثران على معدل الإنتاج السينمائي
المصريون يشاهدون عمر الشريف وأحمد مظهر ولبنى عبد العزيز في (غرام الأسياد) خلال رمضان 1961
هناك علاقة جدلية بالغة الحساسية بين الوضع السياسي في دولة ما وحركة الإنتاج السينمائي في هذه الدولة، فإذا اضطربت الجوانب السياسية والاجتماعية تراجع الإنتاج السينمائي وزهد الناس في مشاهدة الأفلام، ويبدو أن قرارات التأميم وتحطيم الوحدة بين مصر وسوريا وإعلان الانفصال في 28 سبتمبر 1961، كل ذلك دفع المنتجين إلى التريث في إنفاق أموالهم من أجل إنتاج أفلام جديدة من ناحية، كما جعل انشغال الناس بالسياسة وتطوراتها المتلاحقة تصرف نظرهم مؤقتا عن ارتياد السينما وتسلية أرواحهم.
في عام 1961 عرضت دور السينما المصرية 51 فيلمًا جديدًا فقط، أي أقل من العامين السابقين بسبعة أفلام، وهي إشارة سلبية تكشف عن خلل ما في استقرار المجتمع كما أوضحنا.
غرام الأسياد
المتتبع لحال السينما المصرية يكتشف أن النجوم الذين يحققون فيلمًا ناجحًا على مستوى الأرباح سرعان ما يستدعيهم المنتج نفسه أو منتجون آخرون ليقدم بهم فيلمًا جديدًا، وهي ظاهرة رأسمالية بامتياز، حيث قانون العرض والطلب هو المتحكم الأول، وهكذا نجد كثيرًا من النجوم يظهرون في عدة أفلام أنتجت في زمن متقارب والتفسير الوحيد أن هؤلاء النجوم قد أنجزوا فيلمًا ناجحًا عندما اشتركوا معًا للمرة الأولى، فهرع إليهم المنتجون والمخرجون وأخذوا يشركونهم في أفلام جديدة.
في عام 1960 برز الثنائي أحمد مظهر وعمر الشريف في فيلم (لوعة الحب) لصلاح أبوسيف وقد حقق نجاحًا مدهشا، الأمر الذي دفع المنتج رمسيس نجيب أن يغامر بأمواله ويخرج لهما فيلم (غرام الأسياد) مستعينا بزوجته لبنى عبد العزيز لتقف أمامهما بطلة مقتدرة.
لقد عرض الفيلم قبل أول أيام شهر رمضان الكريم بأربعة أيام فقط وبالتحديد في 13 فبراير 1961، ومعلوم أن غرة رمضان حلت في 17 فبراير من ذلك العام، الأمر الذي يؤكد أن الجماهير شاهدته في رمضان.
كما تعرف فإن (غرام الأسياد) يعرض كثيرًا في الفضائيات فتأمل كيف كان الأثرياء والفقراء يتعاملون ويتحدثون ويلبسون في ستينيات القرن الماضي!
الخيال العلمي
في رابع أيام شهر رمضان المبارك، الموافق 20 فبراير 1961 عرض فيلم غريب على السينما المصرية وهو فيلم (H. 3) أو (ه. 3) وغرابته تعود إلى أنه يطرح ربما للمرة الأولى فكرة العودة إلى الزمن الماضي من خلال تناول عقار طبي معين، أي أن السينما المصرية اقتحمت فكرة الخيال العلمي إذا جاز التعبير قبل أكثر من نصف قرن.
الفيلم من إخراج وسيناريو وحوار عباس كامل عن قصة لصلاح إبراهيم وبطولة رشدي أباظة وسعاد حسني وماهر العطار وطروب، وفيه نرى المعلم العجوز – رشدي أباظة – ينتظر دوره في عيادة الطبيب العبقري الذي ابتكر دواءً جديدًا يعيد المرء إلى شبابه، ثم نتابع ما حدث للعجوز من مشكلات جمة حين هجر عمره المديد وانحشر في عمر شاب صغير!
هكذا إذن استمتع رواد السينما في عام 1961 بمشاهدة فيلمين متميزين في نهارات رمضان ولياليه، وتقبل ذلك الجمهور رؤية قبلات وأحضان على الشاشة دون تأفف أو اعتراض مادام تم توظيف هذه المشاهد العاطفية توظيفا صحيحًا في سياق الدراما.
أما أهم الأفلام المصرية التي عرضت في ذلك العام الحافل فهي (شاطئ الحب لبركات/ السبع بنات لعاطف سالم/ أنا العدالة لحسين صدقي وهو آخر أفلامه كما أظن/ الخرساء لحسن الإمام/ السفيرة عزيزة لطلبة رضوان/ يوم من عمري لعاطف سالم/ في بيتنا رجل لبركات/ وا إسلاماه لمخرج أجنبي يقال له أندريه مارتون/ لن أعترف لكمال الشيخ/ طريق الدموع لحلمي حليم وهو قصة حياة أنور وجدي/ لا تطفئ الشمس لصلاح أبو سيف).