حلقات يومية يكتبها ناصر عراق لـ «سينماتوغراف»
التراجع يتواصل في الإنتاج السينمائي برغم النهضة الناصرية!
المصريون يستمتعون بقصة رابعة العدوية ويضحكون مع إسماعيل ياسين في ملك البترول في رمضان 1962
لا أحد يعرف السر وراء تراجع الإنتاج السينمائي المعروض في عام 1962 برغم أن المجتمع المصري كان يمضي إلى الأمام بقيادة جمال عبد الناصر، وبرغم أن عدد المصريين يتناسلون بكثافة كل عام، أي أن احتياجاتهم من الفن السابع في ازدياد، ومع ذلك فالأرقام تخيب ظننا، ولك أن تعلم أن عدد الأفلام المنتجة في عام 1954 على سبيل المثال وصل إلى 68 فيلمًا، وأنها بلغت 58 فيلمًا في سنة 1960، فكيف نفسر أنها لم تزد عن 47 فيلمًا فقط في سنة 1962؟
قد يكون السر في التحولات الاجتماعية الخطيرة التي حدثت إثر قرارات التأميم التي اتخذها عبد الناصر في العام السابق، وقد تكمن المشكلة في مغادرة أعداد كبيرة من الأجانب الذين يعملون في صناعة السينما، وخروجهم من مصر نهائيًا من باب الخوف أو الشعور المتنامي لدينا ضد كل ما هو أجنبي، الأمر الذي أسهم في تفريغ المهنة من عدد لا بأس به من الكفاءات الأجنبية المهمة. أرجو أن تلاحظ مقدمات الأفلام المنتجة في الثلاثينيات حتى مطلع الستينيات لتكتشف أنها تتضمن أسماء أجنبية كثيرة تعمل في الديكور والتصوير والمكساج والدوبلاج، لكن هذه الأسماء اختفت أو كادت مع مطلع ستينيات القرن الماضي (أفتح هذا القوس لأخبرك أن عدد الأرمن في مصر وصل إلى 40 ألف إنسان في منتصف الأربعينات، والآن لا يزيد عددهم عن 2500 إنسان فقط).. أقول.. قد.. وقد.. وتبقى النتيجة واحدة وهي أننا لم نشاهد سوى 47 فيلمًا جديدًا فقط في سنة 1962.
رابعة العدوية
حلت بركات أول أيام شهر رمضان الكريم في 6 فبراير من عام 1962، وفي الخامس من رمضان – الموافق 10 فبراير – شاهد المصريون فيلم (شهيدة الحب الإلهي) للمخرج عباس كامل وبطولة رشدي أباظة وعايدة هلال وحسين رياض وكاريمان وغناء سعاد محمد، والفيلم يقص علينا حكاية رابعة العدوية والتحولات النفسية التي مرت بها حتى استقرت على شاطئ الإيمان والتقوى زاهدة في لذائذ الحياة، كما جاء في موسوعة (دليل الأفلام في القرن العشرين.. في مصر والعالم العربي) للناقد والمؤرخ السينمائي محمود قاسم.
لا يعرض الفيلم على الفضائيات ولا وجود له على موقع (يوتيوب)، لكن قصته تناسب تمامًا أجواء الشهر الكريم، لكن الغريب أن نيازي مصطفى حقق فيلمًا يحمل اسم (رابعة) وعرض بعد عام كامل بالتمام والكمال من عرض فيلمنا هذا، أي في 10 فبراير 1963 !
سر الغائب
في 14 رمضان – 19 فبراير 1962 – عرض فيلمان.. الأول (سر الغائب) للمخرج كمال عطية وإنتاج وبطولة رشدي أباظة وتحية كاريوكا وحسن يوسف، وهو فيلم اجتماعي يتكئ على غرام ومكائد، ولا شأن له بالسياسة ولا بالدين، أما الفيلم الثاني فهو (ملك البترول) للمخرج حسن الصيفي وتقاسم البطولة إسماعيل ياسين وزهرة العلا زوجة المخرج وإستيفان روستي.
الفيلم كوميدي خفيف يناسب أجواء رمضان حيث يبحث الناس عن المرح والتسلية، ولكن أهمية هذا الفيلم تكمن في أنه أول فيلم يتحدث بوضوح عن البترول وأنه ثروة ضخمة مدفونة تحت الأرض.
هكذا إذن قدمت السينما ثلاثة أفلام في رمضان تتوافق مع الشخصية المصرية والمزاج العام للجماهير في ذلك الشهر.. فيلم ديني هادئ وآخر اجتماعي ساخن وثالث كوميدي لطيف!
يبقى أن تعرف أن الشاشة البيضاء استضافت عدة أفلام مهمة في عام 1962 مثل (هذا الرجل أحبه لحسين حلمي المهندس/ ألمظ وعبده الحامولي لحلمي رفلة/ الخطايا لحسن الإمام/ الزوجة رقم 13 لفطين عبد الوهاب/ غصن الزيتون للسيد بدير/ الشموع السوداء لعز الدين ذو الفقار/ صراع الأبطال لتوفيق صالح/ كلهم أولادي لأحمد ضياء الدين/ رسالة من امرأة مجهولة لصلاح أبوسيف/ اللص والكلاب لكمال الشيخ/ آه من حواء لفطين عبد الوهاب/ إجازة نصف السنة لعلي رضا).