رمضان والسينما في ثلاثين عاما (الحلقة 29 من 30)

حلقات يومية يكتبها ناصر عراق لـ «سينماتوغراف»

السينما تستعيد نشاطها نسبيًا رغم الهزيمة!

المصريون يواصلون حياتهم بشكل طبيعي ويضحكون على ثلاثة أفلام كوميدية في رمضان 1968

 (طول الجرح يغري بالتناسي) كما قال مرة الشاعر الرائد صلاح عبد الصبور، وجرح الهزيمة مرّ عليه عدة شهور، وبدأ الناس يعتادون الحياة بغصة في قلوبهم لأن قطعة من أرض وطنهم قضمتها إسرائيل، لكن الملايين يلاحظون أن هناك شعاعًا من الأمل يتبدى في إعادة بناء الجيش وتطويره، وفي المعارك الصغيرة السريعة التي يحقق فيها أبطالنا انتصارات مهمة.

هكذا إذن دبّ النشاط في صناعة السينما مرة أخرى، حيث شاهد المصريون 38 فيلمًا جديدًا في عام 1968 بزيادة أربعة أفلام عن العام السابق 1967، وإن كان مجمل الإنتاج السينمائي أقل بكثير عما كان في منتصف الخمسينيات حتى مطلع الستينيات (أفتح هذا القوس لأذكرك بأن سنة 1954 شاهد الجمهور 68 فيلمًا جديدًا، وفي عام 1960 استمتعوا برؤية 58 فيلمًا). لكن المدهش أنه لم يتجرأ أحد من صناع السينما على الاقتراب من هزيمة 1967 بأية صورة من الصور في الأفلام التي أنجزوها في سنة 1968.

القنبلة الذرية

يبدو أن الهوس باختراع القنبلة الذرية كان شديدًا في ذلك الوقت، حيث كانت مصر عبد الناصر قد شرعت في خوض مجال الطاقة النووية، وعليه التفت صناع السينما إلى هذه المسألة، وقدموا فيلمًا ذا عنوان دال (كيف تسرق القنبلة الذرية؟)، الفيلم إنتاج مصري إيطالي مشترك وأخرجه كل من نيازي مصطفى ولوشيو فولكي. أما الأدوار الرئيسة فكانت من نصيب يوسف وهبي وعادل أدهم وممثلين أجانب.

في إطار بوليسي شائق تدور أحداث الفيلم عن قنبلة يبحث عنها عالم مصري وعصابة دولية كما جاء في (دليل الأفلام في القرن العشرين) لصديقنا الناقد والمؤرخ السينمائي محمود قاسم.

الملاحظ أن معظم الأفلام التي عرضت في سنة 1968 اتسمت بالكوميديا، وبعضها أفرط في الكوميديا حتى بلغت السذاجة ولن نقول البلاهة، ربما من باب تخفيف وطأة الهزيمة العسكرية على رواد السينما، وحين هلّت أول أيام شهر رمضان الكريم في 22 نوفمبر من ذلك العام، كانت سينما ميامي تعرض فيلم (بنت من البنات) للمخرج حسن الإمام، وبطولة ماجدة الخطيب وأحمد مظهر ونور الشريف قبلها بأربعة أيام. وأغلب الظن أن الفيلم ظل معروضا في الأسبوع الأول من الشهر الكريم على الأقل.

أما في الأسبوع الأخير من رمضان وبالتحديد في 16 ديسمبر 1968، أي في 26 رمضان عرضت ثلاثة أفلام كوميدية خفيفة دفعة واحدة!

السيرك.. وأنا الدكتور

يبدو أن عنوان فيلم (كيف تسرق القنبلة الذرية؟) أغرى المخرج نجدي حافظ ليحقق فيلمًا عنوانه (كيف تسرق مليونير؟)، وهو فيلم كوميدي ساذج قام بالأدوار الأولى فيه نادية لطفي ومحمد عوض وعادل إمام، وقد عرض الفيلم في سينما ديانا في 16 ديسمبر كما فات عليك.

الفيلم الثاني الذي عرض في اليوم نفسه أنجزه عاطف سالم تحت اسم (السيرك) وشارك في بطولته كل من سميرة أحمد وحسن يوسف ونبيلة عبيد ومحمد عوض الذي كان (موضة) تلك الأيام. والفيلم يعرض كثيرًا في الفضائيات، ويبقى الفيلم الثالث والأخير الذي شاهده الناس للمرة الأولى في 26 رمضان من سنة 1968 وهو فيلم (أنا الدكتور) للمخرج عباس كامل وبطولة كل من فريد شوقي ونيللي وعادل إمام الذي كان يشق طريقه نحو دنيا السينما الشاسعة في هذه الفترة.

الأفلام الثلاثة لا علاقة لها بالجرح النازف، ولا بالشهر المقدس، وإنما هي وجبات سريعة من مشاهد كوميدية بدائية، لا عمق فيها، ولا يحزنون!

يبقى أن تعرف أن عام 1968 قد شهد عرض حفنة أفلام متميزة نذكر منها (3 قصص) وهو عبارة عن ثلاثة قصص مختلفة لنجيب محفوظ ويوسف إدريس وأخرجها إبراهيم الصحن وحسن رضا، وقد ظهر محمود ياسين على الشاشة للمرة الأولى في هذا الفيلم في دور صغير جدًا. وفيلم (البوسطجي) للمخرج حسين كمال عن رواية ليحيى حقي، (القضية 68) لصلاح أبوسيف، (الرجل الذي فقد ظله) لكمال الشيخ عن قصة لفتحي غانم، وأخيرًا (قنديل أم هاشم) لكمال عطية عن رواية ليحيى حقي.

Exit mobile version