حلقات يومية يكتبها ناصر عراق لـ «سينماتوغراف»
توقفت العروض السينمائية الجديدة لمدة 6 أشهر متصلة في عام 1943
حين يطالع المرء تاريخ السينما المصرية بامتداد القرن العشرين سيكتشف بسهولة إن عام 1943 هو الأسوأ على الإطلاق من حيث عدد الأفلام الجديدة التي تعرض على الجمهور، كما أنها السنة الوحيدة التي توقفت فيها دور السينما عن عرض أي فيلم جديد لمدة ستة أشهر متصلة، حيث آخر فيلم تم عرضه كان «نداء القلب» للمخرج عمر جميعي، وتمثيل سميرة خلوصي – بطلة أول أفلام عبد الوهاب الوردة البيضاء – وإبراهيم حمودة وبشارة واكيم، وقد شاهده الجمهور في 22 أبريل عام 1943، ثم أطفئت أنوار القاعات وأغلقت الأبواب تمامًا عن استقبال الجمهور، إلى أن عاد الفيلم الجديد يزين قاعة العرض في 4 أكتوبر من العام نفسه، وكان فيلم «البؤساء» للمخرج كمال سليم وبطولة عباس فارس وأمينة رزق وسراج منير!
ليس عندي شك في أن التأثير السلبي للحرب العالمية الثانية هو السبب في ذلك التراجع الكبير في الإنتاج السينمائي، ومن ثم في إقبال الجمهور. (أفتح هذا القوس لأذكرك بأن دور العرض قدمت 22 فيلمًا في عام 1942، في حين انخفض العدد إلى 15 فيلمًا فقط في 1943 كما جاء في موسوعة دليل الأفلام في القرن العشرين لصديقنا محمود قاسم).
في 26 يناير من ذلك العام أيضا زار تشرشل رئيس وزراء بريطانيا مصر بشكل غير رسمي ليتابع سير المعارك واحتياجات الجيش البريطاني، وطلب الملك فاروق لقاء معه، وبالفعل وافق السفير البريطاني لامبسون على تنظيم لقاء في قصر الدوبارة – مقر السفير – بجاردن سيتي، والغريب أن اللقاء الذي استمر ساعة ونصف الساعة انتهى على تأكيد تشرشل (على الحاجة الملحة لتحسين ظروف الطبقات الفقيرة للشعب المصري، وأوصى فاروق بتولي ذلك على عجل) كما جاء في كتاب (فاروق من الميلاد إلى الرحيل) للدكتورة لطيفة سالم!
أرأيت.. طوال التاريخ والغالبية العظمى من المصريين فقراء، ويبدو أن تشرشل فوجئ بحجم الفقر الساري في شرايين الملايين، وحين هلّ عليهم أول أيام الشهر المعظم في الفاتح من سبتمبر سنة 1943، كان الغلاء قد هدّ منهم الحيل، ولم تقدم لهم السينما أي جديد للترفيه، كما لم تحاول أن تقترب من حادث 4 فبراير 1942 الشهير، ولم تنجز فيلمًا واحدًا يدين الاحتلال الإنجليزي بوضوح لا في عام 1943 ولا في أي عام آخر حتى سقوط الملك فاروق في 23 يوليو 1952، وتحرير البلاد من الاحتلال الإنجليزي!
لكن المدهش في سنة 1943 أن السينما المصرية أنجزت فيلم (العامل/ عرض في 11 فبراير)، وهو أول فيلم يناقش بوضوح حقوق العمال المنهوبة من قبل أصحاب المصانع، ويطالب بجرأة بحق العامل في التأمين الصحي والتعويض عن إصابة العمل، ويبدو أن مخرج الفيلم أحمد كامل مرسي كان متأثرًا بالموجة الاشتراكية التي شاعت بين كثير من مثقفي ذلك الزمان. وقد لعب بطولة الفيلم حسين صدقي – الممثل الملتزم أخلاقيًا على الدوام – وفاطمة رشدي.
ومن العصر الحديث ومشكلاته الاجتماعية إلى الإبحار في التاريخ تجد السينما المصرية لذة خاصة، وها هو يوم 4 مارس من عام 1943 تعرض سينما كوزمو فيلم (كليوباترا) للمخرج إبراهيم لاما وبطولة شقيقه بدر لاما وأمينة رزق وأنور وجدي وبشارة واكيم ومحمود المليجي.
لكن للأسف لا نعرف مصير هذه الأفلام النادرة، إذ لم نشاهد العامل في صراعه التاريخي، ولم نر كليوباترا وهي تحوك الدسائس وتصد المكائد!.