رمضان والسينما في 30 عامًا (الحلقة 11 من 30)

حلقات يومية يكتبها ناصر عراق لـ «سينماتوغراف»

الملك فاروق يقيم حفلا كبيرا لتوديع السفير البريطاني

الملايين تضحك مع صباح وإسماعيل ياسين في فيلمي «الآنسة ماما» و«ليلة الدخلة» في رمضان 1950

في اليوم الذي أمر فيه الملك فاروق بتنظيم احتفال باهر لتوديع السفير البريطاني في القاهرة بمناسبة انتهاء فترة عمله عام 1950 كان المصريون يستعدون لاستقبال شهر رمضان المعظم، فالسفير كامبل لعب الدور الأهم في ترميم العلاقة بين بلاده والملك المرتعب من بطش الإنجليز، لذا حين انتهت خدمة السفير أقام له فاروق حفلا ضخما في حديقة قصر القبة يوم 7 يونيو من عام 1950، حيث قال الملك (إن هذا الاحتفال ليس تقليديًا، وإنما هو لكامبل خاصة).

لم يحضر أحد من أفراد الشعب البسطاء هذا الاحتفال بطبيعة الحال، فالفقراء لا يدخلون القصور ولا ينبغي لهم! ولكنهم كانوا يستعدون لاستقبال أول أيام الشهر المبارك بعد عشرة أيام فقط، فيصنعون الفوانيس ويعلقون الزينات، إذ هل هلال غرة رمضان في 17 يونيو من سنة 1950.

الراديو والسينما

أنت تعلم أن الإذاعة المصرية الحكومية انطلقت في 31 مايو من عام 1934، وأن الراديو بمرور الوقت صار يمثل الوسيلة الأهم للتعرف إلى الأخبار السياسية، والاستماع إلى البرامج الإذاعية، والاستمتاع بالمسلسلات المتنوعة، وقد مر على الإنسان المصري حين من الدهر كان مفتونا أشد الافتتان بمتابعة المسلسل الإذاعي، فنحن لم نعرف التلفزيون إلا في منتصف عام 1960، ومع ازدهار الإنتاج السينمائي في أربعينيات القرن الماضي والتوسع في إنشاء دور العرض المختلفة في الأحياء والمدن غدت السينما أهم وسيلة للترفيه والمتعة، وكما تعرف فالإنسان بطبائع الأمور يميل إلى متابعة القصص والإنصات إلى أحداثها، وهكذا بلغ عدد الأفلام المعروضة في سنة 1950 نحو 49 فيلمًا بزيادة خمسة أفلام عن السنة التي سبقتها.

صباح وإسماعيل ياسين

أغلب الظن أن فيلم «الآنسة ماما» عرض في رمضان لأن (دليل الأفلام في القرن العشرين) الذي وضعه صديقنا الناقد الكبير محمود قاسم لم يذكر تاريخ عرضه، لكنه محشور بين فيلمي «محسوب العائلة» للمخرج عبد الفتاح حسن وقد عرض في 29 مايو من سنة 1950، وفيلم «ليلة الدخلة» للمخرج مصطفى حسن وعرض في 14 يوليو من السنة نفسها أي في 27 رمضان!

بعيدًا عن الملك فاروق وألاعيبه وانصياعه أمام الإنجليز، وبعيدًا عن فوضى الأحزاب الهشة وصراعاتها، وبعيدًا عن غلاء الأسعار الذي يكوي القلوب، بعيدًا عن كل هذا عثر الإنسان المصري البسيط على سلواه في أيام وليالي رمضان من خلال متابعة شقاوة صباح وهي تعابث محمد فوزي في «الآنسة ماما»، والفيلم يعرض كثيرًا في الفضائيات ويحتشد بمواقف هزلية تستدر الضحك. لكن أرجوك لاحظ الفرق الاجتماعي الشاسع بين الطبقة الأرستقراطية ويمثلها سليمان نجيب وابنه محمد فوزي، وطبيعة الحياة المرفهة التي تعيشها هذه الطبقة من خلال تأمل حجم وشكل البيت وعدد الخدم ووسائل الراحة، ثم تأمل الفتاة الفقيرة صباح والضنك الذي يمسك بروحها. إن المشاهد الحصيف سينتبه على الفور إلى أن المصريين قد انقسموا إلى طبقتين واضحتين.. أثرياء وفقراء، والمسافة شاسعة بينهما، لذا استقبل الشعب بعد عامين اثنين فقط ثورة 23 يوليو بترحاب كبير عسى أن تنقذهم هذه الثورة من غول الفقر وبؤس المهانة!.

أما إسماعيل ياسين فقد شارك حسن فايق بطولة فيلم «ليلة الدخلة» الذي عرض في نهايات رمضان من عام 1950، ولعلك لاحظت جرأة اسم الفيلم، فالكل يعرف ما سيحدث بين العريس وعروسه في ليلة الدخلة، ومع ذلك لم يعترض أحد، ولم يشهر أحد سلاح التكفير في وجه إسماعيل ياسين، أو اتهموه بالإباحية، وهكذا ارتاد الناس السينما في نهارات وليالي رمضان من عام 1950 وهم يفتشون عن سويعات سعيدة في زمن قاس وعصر عصيب!.

 

 

 

 

Exit mobile version