حلقات يومية يكتبها ناصر عراق لـ «سينماتوغراف»
الملك يتزوج ناريمان والشعب يغلي والنحاس يلغي معاهدة 1936
المصريون يضحكون مع إسماعيل ياسين وشادية في رمضان ويشاهدون 51 فيلمًا جديدًا عام 1951
لم يكن أحد يتخيل في عام 1951 أن الباقي من الزمن سنة واحدة فقط ويسقط حكم أسرة محمد علي إلى الأبد، كما لم يكن يتصور أحد في مطلع يناير 2011 أن الباقي من الزمن حفنة أيام وينتهي حكم آل مبارك نهائيًا. إنها حركة التاريخ وعبقرية الشعوب التي لا يدركها الحكام الطغاة!.
ففي عام 1951 وصلت سمعة الملك فاروق إلى الحضيض، فالبلد الذي يحكمه يرزح تحت نير الاحتلال الإنجليزي، وظل مترددًا في الموافقة على إلغاء معاهدة 1936 المجحفة، فألغاها النحاس باشا رئيس الوزراء وزعيم حزب الوفد في 8 أكتوبر 1951، كما أن جيش الملك خسر معركته في فلسطين، والفقراء في ازدياد مستمر، فأكثر من 14 مليون مصري يعانقون الفقر في الصباح والمساء (عددنا آنذاك كان يقارب 18 مليون نسمة)، أما حجم الفساد في مؤسسات الدولة فقد بلغ مستوى غير مسبوق، لدرجة أن فاروق نفسه – وهو الملك المعظم – قبل رشوة قيمتها مليون جنيه من عبود باشا ليُسقط عنه الضرائب المستحقة للدولة وقيمتها كانت خمسة ملايين جنيه!.
الحب في خطر
في ظل هذه الأجواء المحتقنة نسي الملك فاروق الشعب المسكين والاحتلال الإنجليزي وصراعات الأحزاب وقرر أن يتزوج مرة أخرى بعد أن أخفقت زوجته الأولى الملكة فريدة في إنجاب طفل ذكر يرث عرشه كما قال، وهكذا في 11 فبراير من عام 1951 أعلن عن خطبته للآنسة ناريمان التي تزوجها بعد ذلك بعدة أشهر!.
كالعادة لم تستطع السينما المصرية التي تتسم بطابع محافظ غير جريء أن تخوض في عظام المشكلات المصرية المتأججة، برغم ازدهار صناعة السينما من حيث الكم، فقد استضافت الشاشة البيضاء 51 فيلمًا جديدًا في عام 1951 بزيادة فيلمين عن العام السابق، وهو أمر يشي بأن الجمهور يقبل على السينما باهتمام، وأنها صناعة مربحة للغاية تغري رجال الأعمال بارتياد مجالها.
لقد صام المصريون أول يوم رمضان في السادس من يونيو من تلك السنة، وقبل نهاية رمضان بيومين – أي في 2 يوليو 1951 – عرض فيلمان جديدان هما (الحب في خطر) للمخرج حلمي رفلة، وبطولة صباح ومحمد فوزي وإسماعيل ياسين. تدور أحداث الفيلم حول قصة غرام ملتهبة بين مطرب ومطربة وما يعترضها من كيد العزال، ولم ينس صناع الفيلم أن يضيفوا التوابل السينمائية المعروفة من موسيقى وغناء وإفيهات إسماعيل ياسين لتسلية الجمهور وجذب انتباهه.
يلخص فيلم (الحب في خطر) قاهرة 1951 بشكل مدهش، من حيث طبيعة الشوارع وموديلات السيارات وكثافة الأشجار المزروعة، والفوارق بين بيوت الأثرياء والفقراء وشكل الناس وملابس الرجال والنساء، فلا توجد امرأة واحدة تغطي شعرها، فالمرأة سافرة وملابسها تدل على مكانتها الاجتماعية، ولهجة أهل القاهرة طرية.. لينة.. سهلة الفهم.
أما الفيلم الثاني الذي عرض في رمضان في تلك السنة فهو (القافلة تسير) للمخرج إبراهيم لاما وبطولة شادية وماجدة وسمير عبد الله (ممثل ظهر في تلك الفترة واختفى). ويتناول الفيلم قصة غرام بين فتاة ثرية يتيمة وصحفي طموح، لكن عم الفتاة الذي يتصرف في أموالها يدبر المكائد ليفسد هذه القصة، ليزوجها من ابنه.
أرأيت لا علاقة للسينما بالواقع السياسي الاجتماعي الملتهب، ومع ذلك فقد اندفع الجمهور ليشاهد 51 فيلمًا جديدًا بحثا عن الترفيه والتسلية والتخفف من سطوة الغلاء وسطوة الاحتلال وعبث الملك، خاصة وأن السينما بدأت تزدان بوجوه جديدة شابة من الرجال والنساء، ففي ذلك العام تألقت فاتن حمامة وشادية وماجدة وقدمن أكثر من فيلم، كما لمع كمال الشناوي وفريد شوقي وإسماعيل ياسين وأثبتوا حضورًا قويًا على الشاشة الفضية، فكان هؤلاء النجوم خير معين للمصريين في الفكاك من أسر الواقع الخشن والصلد، ولو لمدة ساعتين فقط هي مدة زمن الفيلم!.