مخرج «صبا» الذي حصد الغولدن غلوب وينتظر الأوسكار
«سينماتوغراف» ـ أميرة لطفى
بعد أن استطاع المخرج الأميركى وكاتب السيناريو «ريتشارد لينكلاتر» اقتناص أهم جوائز الغولدن غلوب التى يمنحها نقاد السينما الأميركية بفيلمه «Boyhood» أو «صبا» والذي فاز بجائزة أفضل فيلم درامي، كما فاز فريق العمل بجائزتي أفضل ممثلة مساعدة للنجمة باتريشا أركيت وجائزة أفضل مخرج للمبدع ريتشارد لينكلاتر، باتت خطوته الوشيكة أن يقتنص ذات الجوائز أو احداها فى الدورة رقم 87 لمسابقة الأوسكار لعام 2015.
ويعد ريتشارد لينكلاتر جوهرة السينما الحديثة فى هوليوود وأحد أهم المواهب الأكثر نجاحا من مخرجي السينما المستقلة فى أميركا منذ عام 1990 وقد استطاع أن يعلم نفسه بنفسه، ويكمن النجاح الحقيقي لأفلامه فى تعدد مواهبه.. حيث يقوم باخراج وانتاج وكتابة السيناريوهات لأفلامه.
ويعد فيلم «صبا» تجربة سينمائية غير مسبوقة حيث قام المخرج بتصوير الفيلم على فترات متقطعة على مدى 12 عاما، من عام 2002 حتى عام 2013، وذلك باستخدام نفس الممثلين وهم يتقدمون في السن أمام أعين المشاهدين.
ويكمن ابداع ريتشارد فى أفلامه فى تلك الرسوم التوضيحية البارعة التى يرسمها من خلال حواراته وأسلوبه كمخرج الذى يضفى سحرا وجاذبية وحيوية، والذى جعل من boyhood تجربة استثنائية، حققت أعلى الايرادات. فهو من المخرجين القلائل الذين استطاعت أعمالهم المميزة والمبتكرة سواء من ناحية الاخراج أو السيناريو السيطرة على شباك التذاكر.
خطوات البداية
ان بدايات المخرج بالتأكيد كانت سبباً فى أن يكون مختلفاً عن أقرانه من مخرجى جيله.. فقد درس لينكلاتر فى جامعه سان هيوستن وبدأ حياته العملية فى مجال التنقيب عن البترول، إلا أنه طوال فترة مراهقته وشبابه كان مدمناً على قراءة الكثير من الروايات والقصص وكان محبا وعاشقا لمشاهدة المسرح والسينما وكان يشاهد مايقرب من 600 فيلم فى السنة.
وفى لحظة حاسمة من حياته، أدرك ريتشارد أنه يريد العمل بالإخراج، ولذا قام بشراء كاميرا سوبر 8 من مدخراته القليلة وقرر الالتحاق فى خريف 1984 بكلية أوستن لدراسة السينما.
وبدأ حياته العملية فى مجال السينما باخراج العديد من الأفلام القصيرة والتي اعتبرها بمثابة تجارب فى مجال تقنيات الفيلم، واخذت أفلامه طابع المدة القصيرة فأحداثها تدور خلال فترة زمنية قصيرة مثل 24 ساعة فقط مع التركيز على التفاصيل الدقيقة والحوارات السريعة المتلاحقة. وتناولت أغلب سيناريوهات أفلامه علاقات الأجيال ببعضها وخبايا الإنسان وما يبطنه خلال تعاملاته مع الآخر.
وأخرج أول أفلامه الطويلة عام 1988 وكانت ميزانيته 3000 دولار فقط ، وهو فيلم «It’s Impossible to Learn to Plow by Reading Books»، وكان ريتشارد هو العنصر الأساسى فى الفيلم فموهبته الإبداعية ساعدته وأهلته ان يكون مقداما وخاصة في تجاربه السينمائية الأولى، فكان هو المخرج، السيناريست، المنتج، وأيضا بطل الفيلم. ورغم ان الفيلم لم يحقق ايرادات وقتها إلا انه لفت أنظار الجميع بموهبته الكبيرة.
وبعدها بثلاث سنوات «1991» قام بإخراج فيلم «الكسول»، ورغم ميزانيتة المتواضعة التى لم تتعد الـ 23 ألف دولار استطاع أن يحقق نجاحا كبيراً وايرادات قوية فى «البوكس أوفس» وصلت الى 1.228.118 دولار. وقد دارت أحداثه حول يوم بلا هدف فى حياة مجموعة من الأشخاص فى مدينة أوستن بولاية تكساس الذين لم تتعد أعمارهم الأربعين عاماً وعرض لشخصياتهم غريبة الأطوار ومراقبتهم لفترة معينة. واعتبر النقاد التجربة الثانية لـ «لينكلاتر» تأكيدا كبيرا على موهبته بفضل مهارة وأسلوب كتابته والتفاصيل الخاصة التى أظهرها وتأثير اللقطات التي تميز بها فى فيلمه، وذلك بخلاف ما ناقشه سيناريو الفيلم من قضايا اجتماعية وسياسية.
وقال العديد من النقاد: «بالرغم من كونها التجربة الاخراجية الثانية للمخرج الشاب الا أنها كان لها تأثير كبير على أمثاله من صانعي الأفلام الأخرى حيث قام بعض المخرجين المعروفين، بمحاولة تقليد أسلوبه». ومن وقتها أصبح لينكلاتر واحدا من اقوي المخرجين المبدعين فى هوليوود.
قبل شروق الشمس
رغم نجاحه كمخرج متميز، وبالرغم من إشادة النقاد بأفلامه، وحصولها على مراكز متقدمة فى شباك التذاكر، لم يقتنع ريتشارد الا بعد أن قدم فيلم Before Sunrise عام 1995، والذي أصبح علامة فارقة فى تاريخه المهنى وفى وضعه كفنان شامل ومخرج له رؤية فنية ومؤثرة أيضا.
ويحكي فيلم «قبل شروق الشمس» عن شاب وفتاه – لعب أدوارهما كل من إيثان هوك و جولي دبلى- يتقابلان في قطار ويقضيان اليوم سويا، وفي نهاية اليوم يقع الإثنان في الحب لكنهما يتفقان على الفراق. وقد اصبح الفيلم علامة فارقة في تاريخ الأفلام الرومانسية ودائما ما تجده في أي قائمة شهيرة لأفضل تلك النوعية.
وبعد عشر سنوات، قام ريتشارد لينكلاتر باستكمال تجربته الاخراجية الناجحة بتقديم جزء ثان للفيلم بعنوان Before Sunset 2004، وبعدها بتسع سنوات آخرى قدم الجزء الثالث Before Midnight عام 2013 ليكمل الثلاثية بنفس فريق العمل من الممثلين.
ورأى النقاد فى الفيلم أسطورة من أساطير العمل الفني. فقد كتب بيتر راينر فى صحيفة «لوس انجلوس تايم»: «يمثل قبل شروق الشمس نضوج العمل وتكنيك المخرج المبدع من حيث اختياره لموضوعاته والشخصيات المناسبة لإعماله، بالاضافه الى قدرة ريتشارد على أن يجعل من الأفلام الصغيرة كما الأفلام الكبيرة جريئة وملفتة وناجحة نقدياً وجماهيريا».
ويكمن ذكاء سلسلة أفلام لينكلاتر في تحديده لعيوب الكمال، والرغبة في فهم واختراق روح الآخر، وانعكس أسلوب ريتشارد أيضا فى حوارات جيسى وسيلين التى لا تنهى وأيضا سعادتهما فى المشي والحديث، والذين جعلا منهما أكثر الشخصيات اثارة فى العالم.
وفى مراجعة لثلاثية لينكلاتر، جاء فى «صحيفة نيويورك تايمز»: «تعد ثلاثية أفلام المخرج الأمريكى ريتشارد من أفضل الأفلام الرومانسية في كل العصور». كما صنفت مجلة «نترتينمنت ويكلي» فيلم «قبل شروق الشمس» بأنه على رأس قائمه الـ 25 فيلما الرومانسية الأفضل.. بالإضافه الى أنه أحد أهم الأفلام المناسبة لكل الأوقات وأن هذه الثلاثية تتجلى فيها جماليات سينمائية ملفتة للنظر من تصوير مدهش بما يضفيه من سحر وجمال.
كما استطاع السيناريست ريتشارد لينكلاتر أن يغزو قلب جمهوره ليجعل من تطور علاقة بطلى الفيلم جيسي وسيلين الزوجية وانسجامهما الروحي منطقيا وهدفا وذلك بعد أن ازدادا نضجا بمرور السنوات وجعلنا فى اشتياق، لمعرفه نهاية علاقتهما، كما ان أجمل مافى الأجزاء الثلاثة هو كتابة وإخراج ريتشارد المليئة بالتتفاصيل وانه قدم بالفعل ثلاثيه رائعة أبطالها المخرج المبدع وإيثان هوك وجولي دبلى.
خطوة غير مسبوقة
ومع عام 2014، يقدم ريتشارد لينكلاتر فيلم «Boyhood» أو «صبا» الذي يعد معلما سينمائيا، حيث اتخذ من خلاله خطوة غير مسبوقة في عالم الإخراج بتصوير الفيلم على فترات متقطعة على مدى 12 عاما، من عام 2002 حتى عام 2013، وذلك باستخدام نفس الممثلين وهم يتقدمون في السن أمام أعين المشاهدين.
وتقع أحداث الفيلم في ولاية تكساس التي صورت فيها جميع مشاهده، وتستعرض نشأة الطفل ميسون وشقيقته الكبرى سامانثا “الممثلة لوريلي لينكلاتر ابنة مخرج الفيلم” من فترة الطفولة حتى مرحلة البلوغ.
وتعرض أحداث الفيلم من منظور الطفل ميسون الذي يتحول من طفل إلى مراهق ثم إلى شاب، حيث ترصد مراحل الطفولة المعقدة لهذا الطفل من بداية الدراسة الابتدائية حتى نهاية مرحلة الدراسة الثانوية ودخول الجامعة والتي تشتمل على لقطات لسنوات النضوج والرحلات المدرسية، وحفلات أعياد الميلاد والتخرج ومشاهدة الأفلام السينمائية وغيرها. وتتضمن أيضا الخبرات التي يتعرض لها ميسون كمضايقات أصدقائه واهتمامه بالفتيات، وإقدامه على تجربة المشروبات الكحولية والمخدرات في سن مبكرة.
وبدأ المخرج ريتشارد تصوير الطفل وهو في سن السابعة، وواصل ذلك لمدة 12 عاما حين أصبح هذا الطفل شابا في سن الثامنة عشرة، وزاد طوله خلال تلك الرحلة 76 سنتمترا.
ويتميز الفيلم بقوة وعبقرية الإخراج وأداء الممثلين، وفي مقدمتهم بطل الفيلم الطفل إيلار كولترين والممثلة باتريشيا أركيت والممثل إيثان هوك، كما يتميز بالعمق الإنساني وواقعية الحوار وبراعة التصوير والتشويق.
واعتبر العديد من نقاد السينما الأميركيين البارزين هذا الفيلم علامة فارقة في مجال صناعة الأفلام. وحصل على نسبة 99 بالمائة على موقع “الطماطم الفاسدة” الذي يضم كبار نقاد السينما، ووصف هذا الموقع فيلم «Boyhood» بأنه اسطورى من الناحية الفنية وحميمي بشكل استثنائي، ويمثل بحثا عميقا في طبيعة النفس البشرية وهى من اهتمامات ريتشارد المعنى بطرحها فى العديد من أفلامه. كما حصل الفيلم على علامة 100 بالمائة على موقع “ميتاكريتيك” لنقاد السينما الأميركيين. كأفضل أفلام عام 2014.
مهرجانات وجوائز
وقد عرض فيلم «Boyhood» في 31 مهرجانا سينمائيا عالميا، وافتتح مهرجان صندانس السينمائي، أشهر مهرجانات السينما المستقلة بالولايات المتحدة. وفاز حتى الآن بأربع وعشرين جائزة سينمائية، من بينها:
– ثلاث جوائزمن مهرجان برلين الدولي هى الدب الفضي لأفضل مخرج وجائزتا لجنة التحكيم ونقابة دور السينما الفنية لأفضل فيلم.
– جائزة المجلس القومي الأمريكي لاستعراض الأفلام السينمائية لأفضل عشرة أفلام.
– جائزة نقاد السينما لأفضل فيلم في مهرجان السينما النرويجي الدولي.
– جوائز أفضل فيلم ومخرج وأفضل ممثلة للممثلة باتريشيا أركيت من مهرجان سياتل السينما الدولي الأميركي.
– جائزة أفضل فيلم من مهرجان سان سباستيان السينمائي الدولي الإسباني- جوائز رابطة نقاد السينما في نيويورك لأفضل فيلم ومخرج وممثلة.
– جائزة رابطة نقاد السينما في واشنطن لأفضل فيلم، وجائزة السينما البريطانية المستقلة لأفضل فيلم مستقل.
– جوائز الكرة الذهبية لأفضل فيلم ومخرج وممثلة مساعدة.