بقلم : إنتصار دردير
تشكل أفلام المخرج الكبير محمد خان الذى غيبه الموت تجربة سينمائية شديدة الخصوصية، تجسد ملامح زمن بكل تداعياته وشخوصه وأحداثه، بكل هزائمه واحباطاته، فقد تمرد على الاتجاهات السينمائية التى سيطرت على السينما التجارية واستطاع ومخرجى جيله: عاطف الطيب وداوود عبد السيد وخيرى بشارة والمونتيرة نادية شكرى تكوين «جماعة أفلام الصحبة» التى أرادت أن تقدم سينما مغايرة لاتخضع لشروط المنتجين التجارية وأنتجوا من خلالها فيلما واحدا فقط هو «الحريف» الذى لعب بطولته النجم عادل امام وأخرجه محمد خان.
ومن اللحظة الأولى التى قدم فيها نفسه مخرجا بفيلمه «ضربة شمس» انحازت أفلامه للانسان، وخرج بكاميراته الى الشوارع يرصد التفاصيل العابرة التى لاتلتقطها الا عيون محبة، متعاطفة، تريد أن تصل بأبطالها الى ذروة الحل الذى يبدد أزماتهم وينهى معاناتهم، عله يلمح نظرة رضا فى عيونهم، أو يدافع عن وجهة نظرهم فى مواجهة مجتمع اعتاد أن يقسو عليهم.
محمد خان ابن حى السكاكينى القاهرى الذى شهد طفولته وصباه وشبابه، حفظ شوارع وأزقة القاهرة ولمس عن قرب معاناة المهمشين الذين شكلوا جانبا مهما من أبطال أفلامه، صار مهموما بمجتمعه، مؤمنا أشد الايمان بقدرة فن السينما على احداث التغيير المنشود، لذلك جاءت أفلامه – باستثناءات محدودة – من تأليفه، يضع بذرتها الأولى ويختار قضاياها ثم يسندها لكاتب سيناريو أويشارك فى الكتابة معه، ثم يحيلها بعبقريته الى حكايات وصور تنبض بالحياة، والصورة تحتل عنده الصدارة وتغنيه فى كثير من المشاهد عن السردالحوارى، لذلك جاءت أفلامه معبرة تعبيرا صادقا عن روحه المتمردة وعن زمنها وشخوصها، فاذا أردت أن تفهم ما جرى فى احداث 18 و19 يناير1977 فسوف تعثر عليه فى «زوجة رجل مهم» هذا الفيلم العبقرى الذى جمعه بالناقد الكبير رؤوف توفيق، وفى «أحلام هند وكاميليا» يخترق حياة المهمشين من خلال خادمتان تحلمان بأبسط حقوق الحياة التى تخذلهما ومع ذلك لاتفقدان روحهما المرحة وتفهمهما المثيرلها، ويغوص فى هموم الطبقة المتوسطة فى «سوبر ماركت» راصدا تحولات المجتمع الذى يطيح بها وتعجز مقاومتهم فى مواجهة تيار ساحق يدفعهم الى غير مايطمحون، وفى «عودة مواطن» يكشف لنا عبر بطله الذى عاد بعد سنوات الغربة فى الخليج، يحاول جمع شمل أخوته، فيشعر بغربة أكبر حين يكتشف حجم التغيير الذى طرأ على كل منهم وعلى المجتمع، وفى «خرج ولم يعد» يهرب خان عاشق القاهرة ببطله الى الريف بعد أن ضاقت عليه المدينة وخنقت أحلامه، وحتى أفلامه الاخيرة مع زوجته السينارست وسام سليمان فى «بنات وسط البلد» و«شقة مصر الجديدة» و«فتاة المصنع» يتواصل اهتمامه بالطبقة المتوسطة ويؤكد وجودها ويتعاطف مع أحلامها.
اعتاد محمد خان أن يهدى أفلامه الى نجوم الزمن الجميل فأهدى «فارس المدينة» الى كوكب الشرق أم كلثوم، و«زوجة رجل مهم» الى زمن وصوت عبد الحليم، و«شقة مصر الجديدة» الى صوت ليلى مراد، و«فتاة المصنع» الى روح سعاد حسنى، وهاهو يلحق بهم فنشعر أن زمنا آخر ينسحب فى هدوء، ودون مقدمات، زمن محمد خان.