كان ـ «سينماتوغراف»: عبد الستار ناجي
يأخذنا المخرج الروسي المنشق كيريل سيربينكوف في فيلمه الجديد «زوجة تشاكوفسكي» إلى واحدة من الحكايات الأكثر تعقيداً، وهى حالة عبقري الموسيقي الروسي بيتر تشاكوفسكي حيث العلاقة الزوجية التى دمرت حياة رفيقة انتونيتا، والتى دخلت حياة تلك العبقرية في لحظة شاردة من الزمن، لتجد نفسها في المكان الخطأ لنشهد عذابات قصة حب على إيقاع الأنغام والألحان.
الحب على إيقاع العبقرية ألم ومعاناة، لأننا أمام شخصية تذهب إلى الحب وأحلامه وأوهامة وجنونه في الوقت الذى يبقي الطرف الآخر مشغولاً في إبداعاته وصعودة الصاروخي إلى قمم والتميز، كيف لا ونحن أمام واحد من العبقريات الأهم في تاريخ الموسيقي والإبداع الفني ليس في روسيا وحدها بل في تاريخ الموسيقي العالمية.
الفيلم يروي حكاية الشابة المتوسطة الحال انتونيتا التى التقت ذات مرة في إحدي البيوت الثرية بالموسيقار تشاكوفسكي، وهو يعزف ويعيش اللحظات الموسيقية فتقرر الوصول إليه، لتلتحق بالمعهد الذى أسسة ويديره ولتكون قريبة من تلك المعجزة الفذة، ولكن تشاكوفسكي يظل مشغولاً بعوالمة وهي لا تكف عن حبه ومطاردته، حتى يقرر في لحظة شاردة من الزمن الارتباط بها والزواج منها وهو الأكثر بعداً عنها، بل إنه لا يمتلك أية ميول جسدية تجاهها أو تجاة أي إمرأة أخري.
في تلك اللحظة وعند الأيام الأولي من الزواج، يجد تشاكوفسكي أنه غريب عن تلك المرأة الزوجة التى تريده لنفسها، في الوقت الذي يري نفسه ملكاً للموسيقي والإبداع، بل إن روسيا بكاملها تريده أن يظل لها موسيقياً خلاقاً. وتزداد الهوة بين هذا الثنائي، هو مشغول بالصعود إلى القمة عبر الأعمال الموسيقية الكبري التى كان يبدعها مع دار الاوبرا في موسكو، وهي تعيش الكثير من الأوهام عن الحب المزعوم ولحظات اللقاء به.. حالة من الوهم المدمر الذى كلما صحت من غفوته وجدت نفسها تهوي إلى قيعان الجنون والهذيات والتمسك به، حتى رغم كل الإغراءات المادية التى راحت تصل من وكلاءه من أجل الحصول على الانفصال عنها، صعود عبقرية وإنهيار عاطفة، إبداعات تبلغ العنان وانزلاق جنوني يدمر حياة تلك الصبية التى عاشت الوهم حتى الجنون والهذيان .
لقد استطاع المخرج والسيناريست كيريل سيبرنكوف وبذكاء شديد كتابة نص ثري بالأحاسيس والتفاصيل الدقيقة، التى أحاطت العلاقة الزوجة التى ظلت بالنسبة لتشاكوفسكي مجرد مغامرة أو تجربة، بينما كانت بالنسية لانتونيتا الحب والحياة والحلم والجنون، تشاكوفسكي مشغول بالموسيقى وبعض العلاقات الشاردة مع الشباب الصغار، وهي تنتظر في مضجعها ذلك الرجل الذى كان يحلق مع موسيقاه وابداعاته، لا يري الحياة مع إمرأة وعلاقة زوجية بقيودها وظروفها بقدر انشغاله بالتحليق محاطاً بتلك العوالم والبطانه المركبة من الوجوة وشخصيات النبلاء .
في الفيلم لغة سينمائية عامرة الثراء والحلول البصرية المطرزة بحلول مسرحية تستدعي كافة مفردة الفعل المسرحي، من تمثيل ورقص وايحاء وسينوغراف وإضاءه وكم آخر من التشكيل الجسدي والإبداعي، ومثل هكذا إنجاز إبداعي ما كان له أن يتحقق لولا انتماء المخرج كيريل سيبرنكوف المسرحي المتأصل والذى نراه ونلمسه من أعماله السينمائية ومنها – ليتو – ( الصيف ) و –أيام يوري – و – حمي بيتروف – وغيرها بالاضافة طبعاً لأعماله المسرحية التى يقدمها في مهرجانات مثل افنييون وغيرها.
نرصد في الفيلم حكاية تفتح أمام المشاهد عذابات شخصية عاشت على هامش عبقرية كبري، لم تنظر إليها لحظة واحدة لأنه كان في منطقة أبعد، حيث الانشغال بالإنجازات الموسيقية التى تتطلب الكثير من التركيز بعيداً عن أي فعل أسري أو اجتماعي قد يعطل مسيرته وبصمته..
الفيلم عرض أمس ضمن المسابقة الرسمية احتفاءاً بهذا المخرج الروسي المنشق على خلفية الأحداث التى يعيشها العالم والغزو الروسي في أوكرانيا، ما دفع إدارة مهرجان كان السينمائي إلى منع استقبال أى وفد روسي بالإضافة لعدم مشاركة أي صحفي أو فنان روسي .
فيلم «زوجة تشاكوفيسكي» هو قصيدة من الألم أمام مقام العبقرية.