«سينماتوغراف» ـ هناء العمير
من الحالات الناجحة الأخيرة للاقتباس المسرحي، الفيلم البريطاني «سيدة الفان أو The Lady In The Van»، فقد عرضت المسرحية التي تحمل نفس الاسم والتي استمد أحداثها المسرحي البريطاني آلان بينيت من حياته الشخصية ومعايشته لماري شيبرد خلال 15 سنة، في عام 1999 ونجحت نجاحاً كبيراً.
وقد رشحت المسرحية في ذلك الوقت لجوائز الأوليفييه المسرحية كأفضل مسرحية عام 2000 كما حازت الممثلة البريطانية الشهيرة ماغي سميث على ترشيح أفضل ممثلة عن دورها فيها.
وما كان من المؤلف بينيت والمخرج نيكولاس هيتنر إلا أن أعادا إنتاج مسرحيتهما العام الماضي بنفس طاقم الشخصيات الرئيسية وهما ماغي سميث في دور ماري شيبرد أو مارغريت فيرتشايلد وأليكس جينينغز في دور آلان بينيت نفسه.
تدور أحداث الفيلم حول العلاقة العجيبة التي تكونت بين بينيت المسرحي البريطاني عند انتقاله لحي كامدن في لندن عام 1970 بسيدة عجيبة تدعي أن اسمه ماري شيبرد وتسكن في سيارة «فان» متنقلة بين بيوت الحي حيث توقف السيارة بجانب أحد البيوت وتفرش الرصيف بأغراضها.
تبدو السيارة شاذة وسط البيوت المرتبة والكبيرة ويبدو أن السكان منزعجون جداً منها ولكنهم في ذات الوقت لا يتوانون عن التبرع لها ببعض الأكل والأغراض من آن لآخر. لكن ماري شخصية غير عادية، فهي سليطة اللسان وحادة المزاج وتجيد التعبير عن نفسها ومتدينة جداً.
ولغرابة أطوارها لفتت أنظار بينيت الذي يظهر في الفيلم لين الطباع ومهذب جداً. ويظهر بينيت في الفيلم بشخصيتين تعبران عنه ويمثلها الممثل نفسه، وهما: الكاتب الذي يراقب كل شيء ويكتب عنه، والإنسان الذي يمارس حياته اليومية ويغضب ويستاء من الآنسة شيبرد ويتحدث مع أمه التي هي من جيل ماري، لكنها تختلف عنها. وتبدو ماري في الفيلم أقرب للكاتب من أمه، وربما يعود هذا لفضوله تجاه هذه الشخصية، فنحن نشاهده وهو متفاجئ بأن السيدة ماري تتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة، بل وتبلغه أنها قد ذهبت إلى فرنسا لدراسة الموسيقى، قبل أن تتحول إلى راهبة.
في أجواء تجمع بين الكوميديا والدراما، نكتشف تدريجياً سر الآنسة ماري ونفهم شخصيتها بشكل أكبر في المشاهد الأخيرة من الفيلم، وربما أن هذه الاكتشافات هي الأكثر درامية في الفيلم، لكن الفيلم يبتعد عن الابتذال في هذا الاتجاه.
كما نشاهد العلاقة التي بدأت كجيرة تحولت إلى ما يقارب الرعاية التي وفرها بينيت لشيبرد أكثر من أمه، كما أننا نشاهد لحظات يبدوان فيها أقرب لطفلين يلعبان معاً مثل اللقطة التي يجر فيها بينيت كرسي ماري ثم يتركه وهي سعيدة بانطلاق الكرسي في الشارع. وعلى الرغم من الوضع المأساوي لماري المتشردة، إلا أن الفيلم يطرحه كشكل من أشكال الحياة، دون استغراق في مأساويته.
لا يبدو الفيلم محصوراً في موقع واحد كما يحدث في كثير من المسرحيات المقتبسة، كما أنه لا يغرق في الحوارات. ولا شك أن ما أعطى قيمة حقيقية للفيلم هو الآداء الاستثنائي لماغي سميث. فقد أبدعت في أن تبين إلى أي حد يمكن لهذه المرأة أن تكون مزعجة وفي ذات الوقت مقبولة نوعاً ما، وإن كان الجميع لا يستطيع احتمالها والعيش معها. لكن سميث نجحت أيضاً في أن تبين الألم الذي تشعر به ماري في لحظات كتلك التي تتحدث فيها بحسرة عن الموسيقى، وأن تظهر التعابير الطفولية التي تعلو وجهها أثناء تلوينها للسيارة ولعبها بالألوان أو عندما كانت تلعب بالكرسي في الشارع.
وهي بلا شك ممثلة قديرة حازت على جائزة الأوسكار لمرتين، مرة عام 1970 عن دورها في فيلم «The Prime Of Miss Jean Brodie»، وعام 1978 عن دورها في فيلم «California Suite». ورغم أن أداء جيننغز كان من السهل الممتنع ورغم أن سيناريو الفيلم متميز ومختلف لقصة تحمل حساً إنسانياً عالياً، لكن أكثر ما يبقى في ذهن المشاهد بعد الانتهاء من الفيلم هو شخصية ماري شيبرد العجيبة وأداء ماغي سميث الرائع.